** لا تسألوني ما علاقة المرقة بالوجه إذا قيل لك: (فلان مغسول وجهه بمرقة)..! هذا مثل شعبي دارج؛ أخذته عنوانًا لمقال لي قبل 14 عشر عامًا: ( https://www.al-jazirah.com/2008/20080302/ar2.htm )؛ بعد أن استفزني خبر منشور لرجل في مكة يشتكي والده في المحكمة، ويطالبه بمبلغ خمسة آلاف ريال إيجار سكن..! أي مرق منتن مغسول به وجه هذا الابن العاق يا ترى..؟ ** إذا لم تكن مرقة الوجه هذه هي ماء الحياء الذي يُجمل الوجوه بين الأنام؛ فماذا تكون إذن..؟ ثم.. أي مرق أو قذر يظهر به بعض من نعرف من الناس؛ وهم يكذبون ويزورون، ويدلسون ويدسون، ويشتمون ويؤذون خلق الله متعمدين، وهم مع كل هذا السوء؛ يعرفون أنهم على هذه الحالة من السوء والقماءة، ويعرفون أن من يجالسهم ويؤاكلهم ويشاربهم؛ يعرف الذي هم عليه من قبح، ومع ذلك.. تجد الواحد منهم يضحك في وجهك بملء شدقيه، ويتفاصح ويتذاكى أمام الكل، بدون حياء ولا خجل ولا مروءة..! قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (لا خير فيمن لا يستحي من الناس). كيف يكون الحياء؛ إذا لم يكن بحِفْظ ماء الوجْه للناس، ولا يتمُّ ذلك إلا بكفِّ الأذى عنهم، وترْك ما يُغضِبهم أو يزعجهم، قال حكيم: (مَن كساه الحياءُ ثوبَه، لم يرَ الناسُ عيبَه)، وقال بعض البلغاء: (حياة الوجه بحَيائه، كما أنَّ حياةَ الغَرْس بمائه). وقال آخر؛ وقد صدق: (إن منزوع الحياء؛ لا تراه إلا على قبح، ولا تسمع منه إلا لغوًا وتأثيمًا، عين غمازة، ونفس همّازة، ولسان بذيء؛ يتركه الناس اتقاء فحشه. مجالسته شر، وصحبته ضُر، وفعله عدوان، وحديثه بذاء). وحديثه بذاء..! ولكن هذا البذيء ومن هم على شاكلته؛ لا يرون إلا أنهم على حق، وأنهم على درجة علية من الذكاء؛ بحيث يخادعون الناس فيخدعونهم..! حتى لو دلسوا في كتب منشورة، وكذبوا في أقوال منثورة، أي شر مستطير؛ عندما تشعر أنك أمام ثلة من البشر لا خلاق لهم..؟ والمشكلة.. إن كانوا من أوساط المثقفين، الذين يتظاهرون أمام الناس بالنزاهة والصدق، ويتكلمون على المُثل والقيم، بينما هم غير ذلك تمامًا. والبعض من هؤلاء المتثاقفين؛ يتبختر بشهادة وهمية، من تلك الكرتونية (الدكاكينية) المشتراة بالريال، وصاحبها يعرف أن الكل يعرف أنه وهمي، وشهادته وهمية، ثم يكابر ويتكبر ويتجبر..! أليس الحياء من سمات ديننا الحنيف؛ ومن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم..؟ قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. خلق عظيم..! لقد ذهب الحياء، وانكشف الغطاء. لله در الشاعر أبي تمام الذي قال: يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ إذا لم تخشَ عاقبة َ الليالي ولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ ** ما أكثر ما ورد في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن الحكماء والأدباء والشعراء؛ في شأن الحياء الذي هو خصلة من الإيمان. روى حسان بن عطيّة عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء والعيُّ شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق). وروى أبو هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار). فأين هؤلاء البذائين الكذابين من هذا القول الحكيم..؟ ** يقولون عن قليل الحياء عادة: (ما في وجهه ماء).. وهذا وصف دقيق لمن لا يشعر بالخجل وهو يؤذي ويكذب وينافق، ويدعي الفضائل والجمائل، ويزعم لنفسه ولأهله وأسرته وعشيرته؛ ما ليس فيهم من كرم وشجاعة وبطولات ومكانات مزيفة.. لقد أحسن الشاعر صالح عبد القدوس حين قال: إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حياؤه ولا خير في وجه إذا قلَّ ماؤه حياءَك فاحفظه عليك وإنما يدل على فعل الكريم حياؤه ** لم يترك العرب الأوائل حالة من حالاتهم إلا خلدوها في حكمهم وأشعارهم وأمثالهم، ومن هذه الحالات الإنسانية والحياتية؛ تلك المتعلّقة بقلة الحياء، فالبعض من الناس؛ لا يستحي أن يأتي من الأفعال والتصرفات المشينة؛ ما هو قبيح في أعين الآخرين، يجاهر بها، ثم يتغابى، ومع ذلك يظن أنه ذكي..! وأنه يضحك على الكل، في حين ترمقه الأعين بكل تقرف واشمئزاز وسخرية، وتصفه بأن وجهه مغسول بمرقة، كما يتردد في أمثالنا. صدق بعض السلف في قوله: (إن الحياء في الإنسان له ثلاثة أوجه: حياء من الله عزَّ وجلَّ، وحياء من الناس، وحياؤه من نفسه). ألا يحق لنا أن نصف قليلي الحياء بالجهل والحمق والغباء وقلة الدين..؟ قال شاعرنا العربي: وإني ليثنيني عن الجهل والخنا وعن شتم ذي القربى خلائق أربع حياءٌ، وإسلامٌ، وتقوى، وإنني كريم، ومثلي من يضرُّ وينفع
مشاركة :