الكلام الأخير / بقلم: حمّاد بن حامد السالمي *

  • 11/3/2017
  • 00:00
  • 42
  • 0
  • 0
news-picture

- أقضي في مكتبتي الخاصة؛ من خمس إلى سبع ساعات يوميًّا. لو صرفت هذا الوقت كله للكلام مع أصدقائي العشرة آلاف في المكتبة- من هو حي منهم ومن هو ميت- لأصبحت فيلسوفاً في غير زمن الفلاسفة..! لكن وسائط (السوشيال ميديا) هي الأخرى؛ تأخذ حقها من وقتي غصباً، وتظل المكتبة الخاصة مع ذلك؛ بيت النور في بيت العائلة، حتى لو لم يشعر بها غيري. فهذا حال الكثيرين من الأدباء والمثقفين الذين أعرفهم، والمسكونون مثلي بهاجس اسمه: (المكتبة من بعدي). - ما علاقة المكتبة الخاصة بالمقبرة..؟! - هي أشبه بالمقبرة؛ لأنها لا تعرف عادة إلا المشغوف بها. يقضي فيها وقته كل يوم في مواجهة آلاف الكتب التي تحمل غالباً أسماء أصحابها ممن اختارهم الله إلى جواره، بينما أفكارهم باقية تتحدث عنهم إلى الجليس الذي ينتظر دوره لكي ينضم إليهم. - وقفت ذات يوم؛ متفقداً رفوف كتبي العشرة آلاف، فوجدت نفسي أتحدث همساً مع أعلام وعمالقة وفلاسفة من مئات السنين؛ وأنا أقول مع نفسي: لا بد أني سوف ألحق بكم ذات يوم. يا لهم من أصدقاء خلّص، أدباء بحق، يفيدون ولا يؤذون، يعطون ولا يأخذون. - مكتبتي الخاصة مقبرة، ولكنها تنويرية ناطقة، مثل مئات وآلاف المكتبات الخاصة لعديد الأدباء والمثقفين والباحثين. وحده الأديب (علي العمير) أحسن الله إليه؛ سماها مقبرة في سنوات خلت. أظنه مثلي وجد فيها خلوة وسلوة، فهذا المصطلح له وحده، مثل المصطلح الذي أطلقه الأستاذ الأديب (حسين زيدان) رحمه الله على مجتمعه حال غياب الأديب وموته. قال: (مجتمع دفان)..! دفان.. صاحب نسيان ونكران. هذه حقيقة لا تحتاج إلى برهان. - نعم.. نعرف هذا في مجتمعنا حال غياب الأديب والمثقف صاحب المكتبة الخاصة بموته.. أنا لا يهمني نسيان ونكران المجتمع الدفان من بعدي، لكني مهموم بحال (مكتبتي.. مقبرتي المنيرة) من بعدي..! - ليس هذا ضرباً من الجنون كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، لكنه هاجسي الملازم من مكتبتي الخاصة كما هو هاجس كثير ممن عرفت من أدباء وباحثين. زرت ذات مرة مكتبة الملك فهد بالرياض بعد وفاة شيخنا الأديب (عبد الله بن خميس) رحمه الله، فوجدت مكتبته مهداة منه في مكان لائق بها. وعرفت كثيرين (تخلصوا) من مكتباتهم الخاصة في حياتهم بأن أهدوها لجامعات ومراكز علمية وبحثية. هذا كله بدافع هاجس الخوف من مصير مجهول ينتظر مقبرة التنوير التي ترافق صاحبها منذ نعومة حروفه الأولى في البحث والتأليف والكتابة. - كم من خدين كتاب؛ وعشيق مقبرة منيرة مثلي؛ مسكون بهاجس الخوف من مصير مكتبته الخاصة، التي لازمته منذ الصغر، وظلت وفيّة معه حتى آخر يوم في حياته..؟ * كاتب وباحث- صاحب منتدى السالمي الثقافي بالطائف alsalmih@ymail.com

مشاركة :