إذا كان إنشاء حزب العمال البريطاني عام 1900م -كما زعمت الوزيرة العمالية الراحلة بابرا كاسل Castle- لصدِّ المدِّ الشيوعي عن الجزيرة البريطانية، فإن ذلك الرأي محل نقاش وجدل داخل الحزب نفسه، فظهور حركة بيفيانيت Bevanite، نسبة للمنظِّر العمالي الراحل Bevan، ثم ظهور حركة Bennery، نسبة إلى المنظِّر اليساري Benn أثبت خطأ مقولة أن الحزب بمنأى عن الأفكار الاشتراكية والشيوعية المتطرّفة، وعلى رغم الصخب الذي صاحب في الماضي ظهور هاتين الحركتين، إلاّ أن انتخاب الاشتراكي المتطرّف جيري كوربين Corbyn، بعد خسارة الحزب في الانتخابات الأخيرة، واستقالة زعيم الحزب إيد ميلباند، هيأ الأجواء للحديث عن خطر الأفكار المتطرّفة في الساحة السياسية البريطانية، فلقد احتفل كوربين بعد فوزه برئاسة الحزب بإنشاد أغنية (القلم الأحمر)، في إشارة إلى توجهه الماركسي، ولقد وصفته الصحافة البريطانية بأنه يشكّل خطرًا على الأمن الوطني، كما ذهب بعضها إلى القول إن الجيش سوف يتمرّد عليه، لو أضحى رئيسًا للوزراء، وذلك على خلفية وعده بتفكيك نظام «تريدنت» Trident الدفاعي، وعدم الاحتفاظ بالنووي المدني والحربي على حد سواء، وإعادة تأميم المصانع، كما ذكرت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية «August 26،september،1،2015» * بل ذهب كوربين إلى أبعد من ذلك عندما رفض في مناسبة رسمية ترديد النشيد الوطني، كما رفض مقابلة الملكة باعتذاره عن حضور اجتماع المجلس التشاوري الذي ترأسه الملكة والمعروف باسم Prvey Council والذي يفترض أن يؤدّي فيه القسم أمام الملكة -نفسها- بحكم زعامته لحزب المعارضة، وعلى هذه الخلفية من سلوكيات (كوربين) استقال وزراء حكومة الظل عقب فوزه بزعامة الحزب، وحذّر زعماء سابقون للحزب وشخصيات عمالية معروفة مثل: توني بلير، وجوردون براون، وبيتر ماندلسون، وديفيد بلانكيت -وزير الداخلية الأسبق- من العواقب التي سوف تنتج عن هذا الطرح المتطرّف، والذي كان أيضًا محل نقاش حاد في الصحافة البريطانية، والتي رأى بعضها، وخصوصًا المعتدلة منها بأنه -أي كوربين- يشكّل خطرًا بتماهيه مع الحركات الدينية المتشدّدة في الشرق الأوسط، حيث وصف كوربين حزب الله اللبناني بالصديق كما حضر -كما ذكرت صحيفة الحياة الدولية- احتفالاً أقيم لمناسبة مرور 35 عامًا على الثورة الخمينية في إيران «الحياة، الأربعاء، 14 محرم، 1437هـ». * وقد سعى (كوربين) لإفساد العلاقة بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية، وهذا ما أكّده السفير السعودي الأمير محمد بن نواف في مقال له بصحيفة الديلي تلغراف الأكثر مبيعًا في شارع الصحافة البريطاني والمصنفة أنها يمينية. * ولكن المستغرب جدًّا أن تنصت حكومة المحافظين الحالية -بزعامة ديفيد كميرون- إلى آراء كوربين في موضوع العلاقة بين البلدين، وهي علاقة تاريخية ومتوازنة ومتكافئة، وكان عدد من رؤساء بريطانيا السابقين محافظين ما وسعهم الوضع على تلك العلاقة من أمثال سير دوقلاس هوم،Home 1963-1964، ثم مع خلفه إدوارد هيث Heath ،1970-1974 ومارجريت تاتشر 1990-1979/م، وجون ميجور Major 1991-1997، الذي يتحدث بإيجابية في مذكراته عن السعودية، متذكِّرين في هذا السياق أيضًا عددًا من وزراء الخارجية الذين كانوا يرتبطون بعلاقات قوية مع المملكة العربية السعودية، ويأتي في مقدمتهم لورد بيتر كارنغتون Carrington. * وعلى هذه الخلفية التاريخية والسياسية يُفترض في حكومة (كميرون) أن تحافظ على مصالحها مع دولها الصديقة، وفي مقدمتها السعودية، أمّا الإنصات لشخصية مثل كوربين الذي تؤكّد سيرته بأنه لا يملك إلاّ الحد الأدنى من التعليم والثقافة، حيث لم يكمل تعليمه الجامعي، فإن ذلك سوف يكون خسارة كبيرة للسياسة البريطانية.
مشاركة :