صانع الأحذية وغيلان داعش ! | محمد بتاع البلادي

  • 11/3/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

• للسويسري (هوجو لتشر) حكاية رمزية جميلة بطلها صانع أحذية فقير عاش في بلدة صغيرة خلال القرون الوسطى .. كان الرجل بالكاد يجيد القراءة، لكنه كان متطلعاً للعب دورٍ أكبر وأكثر تأثيراً من صناعة الأحذية.. فاستغل موهبته الخطابية في إيهام المحيطين به أنه يملك من المعرفة ما لا يملكه غيره !. في البداية لم تثر ثرثرته أحداً لولا أنه فجّر ذات يوم خرافة مدوية مفادها : أن البشر الحاليين ليسوا سوى مجموعة من الغيلان ( جمع غول) ! ، فالبشر الحقيقيون - كما يزعم - غرقوا في الطوفان العظيم ,‏ أما القلة التي ركبت السفينة مع نوح ,‏ فقد أكلتها الغيلان التي كانت على ظهر السفينة , ثم ادعوا أنهم هم البشر‏ ! مستشهداً بِكمّ الظلم والتوحش الموجود على الأرض، والذي لا يمكن أن يصدر عن بشر ! ‏.‏ • رغم تهافت الفكرة وعدم ارتكازها على سندٍ تاريخي ولا قرائن منطقية ، إلا أن المفاجأة كانت أن الآلاف صدَّقوها لأسباب مختلفة.. فكبر شأن هذا الجاهل وازدادت سطوته الفكرية ، وراح يبحث عن تأصيل لخرافته بإنتاج المزيد من الخرافة ، مثل قوله :‏ إن شهود الحادثة هم الحيوانات التي كانت تتكلم مثل البشر‏,‏ لكن هول الجريمة عقد ألسنتها ,‏ فأصبحت تبكي على فناء البشر من خلال أصواتها الحالية ! . • لم يكن غريباً في ظل تقاعس العقل عن مواجهة خرافات صانع الأحذية ؛ أن يُحيل الأخير هرطقاته إلى ممارسات فعلية، فأعلن الإباحية والحرية المطلقة ، وألغى قوانين الزواج والملكية بين أتباعه ! فليس من المنطق - بحسب رأيه - أن يحتكم غير البشر إلى قوانين بشرية ! . استهوت الحرية المعطلة للقيم الإنسانية المزيد من الجهلة ؛ فانضم إليه الآلاف ، وتحولت خرافاته الى حقائق لا تقبل النقاش ولا التشكيك ! • هذه الحكاية التي أنهاها ( لتشر ) بقتل (صانع الأحذية) وبقاء فكرته حية ، تعنّ في خاطري كلما استمعت إلى هرطقات (غيلان ) داعش ومنظِّريها الذين عاثوا في عقول الشباب فساداً ، وأوقعوا بخطابهم التشكيكي معظم أهل عصرهم في لبسٍ فكري مربك ؛حين وضعوهم أمام معضلات عقدية ووجودية ترمي لاغتيال وعيهم وتغييبه‏ . أدرك أن البنية العسكرية للتنظيم يمكن هزيمتها في الفترة القريبة القادمة ، لكن (داعش) ليست منظمة إرهابية فقط، انها فكرة خبيثة ، وطبيعة الأفكار أنها لا تموت بسهولة، قد تختفي عن الأنظار فترة ،لكنها إن لم يتم إبطال مفعولها ستعاود الانفجار في المكان والزمان غير المناسب .. وهنا الخطر. • الظلام لايبدده إلا النور ، وأي فكرة (شاذة) نتهاون في محاربتها ، ستتحول إلى ( غول ) كاسر يلتهم عقول الشباب بلا رحمة ، خصوصاً في هذا الزمن الذي زاد فيه التواصل ، وكثر فيه الجهلة وصُنّاع الأحذية ! . Twitter: @m_albeladi m.albiladi@gmail.com

مشاركة :