* يخطئ جدًا من يعتقد أن (داعش) مجرد مجموعة من الخوارج المارقين عن سياقات الزمن، اتخذوا من العنف طريقًا لإثبات وجودهم.. ويخطئ أكثر من يعتقد أنها حالة شاذة وطفرة جينية على عتبات سلّم الأمة التاريخي.. فعودة سريعة لتاريخ التطرف والإسلام السياسي في المنطقة تكشف أن (داعش) ليست سوى حلقة من حلقات مسلسل (عنف) طويل جدًا، ابتليت به الأمة الإسلامية طوال تاريخها.. فما اصطدمت الأمة بأزمة كبيرة إلا وخرجت عنها فرقة متطرفة. * استمرار الفكر المتطرف -حتى لا أقول ازدهاره- وخروجه علينا في أكثر من صورة وتحت أكثر من مسمى يعني فشلًا ذريعًا للتربية وللمدرسة العربية، التي من المؤسف القول: إنها ما استطاعت طوال تاريخها (بدءًا من عصر الكتاتيب وانتهاء بشكلها الافتراضي الحالي) أن تقصقص أجنحة هذا الطائر المتوحش، ولا أن تمنعه من الطيران والتجول بحرية في الفضاءات العربية، فضلًا عن أن تمنعه من (العشعشة) في أذهان الأجيال المتعاقبة.. فإذا كانت المدرسة في أي مجتمع هي انعكاس حي للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية لذلك المجتمع، فإن المدرسة العربية إجمالًا لم تستطع مواكبة التغيرات والتقلبات الحادة والمزمنة في المنطقة ولا معالجة آثارها السلبية.. فلا المنهجية ولا المناهج التربوية العربية استطاعت التفاعل بحيوية مع المتغيرات كما حدث في المجتمعات الحية التي تميزت بقدرتها على تقبل تلك المتغيرات والتقليل من آثارها، بينما بقيت المدرسة العربية تراوح بين التقليدية والجمود والخوف من التجديد!. * للإنصاف لابد من القول: إن لنوعية كثير من النظم السياسية العربية دورًا كبيرًا وفاعلًا في إفشال المدرسة وتقليص أدوارها التكوينية والتوعوية.. وما زاد الأمر سوءًا هو تغلغل الفكر المتشدد وسيطرته على المؤسسة التربوية العربية ردحًا من الزمن كان من نتاجها تلك المفاهيم المتشددة التي أبعدت العربي عن كثير من المفاهيم الإنسانية؛ وعمقت من جفافه الروحي والإنساني.. الفن مثلًا أصبح كلمة سيئة السمعة في معظم المنطقة العربية، كما أن المسرح والرسم وبقية الفنون الإنسانية الجميلة ما زالت تعتبر في نظر البعض رجسًا من عمل الشيطان لا يجوز الاقتراب منها ناهيك عن ممارستها أو تعليمها في المدارس!. * (داعش) كشفت الكثير من أخطاء الأمة العربية، ومن أهم تلك الأخطاء أخطاء المؤسسات التربوية التي تركت أبناءها فريسة للأيديولوجيات والأفكار المتطرفة في منطقة غارقة أصلًا في مغامرات العنف السياسي والقتل والظلم العالمي غير المبرر.. مما سهل اختطافهم من قبل جماعات راديكالية لعبت على وتر المظلومية والدفاع عن الإسلام.. ولأننا نعيش عصر الصورة بكل ايجابياته وسلبياته فلا شك أن هذه البيئة المنغمسة في الدم وما خلفته الحروب المتلاحقة منذ الأربعينيات الميلادية من آثار ومعطيات قد شكلت الذاكرة والهوية المعرفية والثقافية لإنسان المنطقة في ظل غياب شبه تام للمؤسسة التربوية. * المدرسة في حاجة إلى مزيد من الاستقلالية والتعزيز الروحي والإنساني حتى تنجح في كسب تحديها ضد التطرف والإرهاب والتكفير والقتل.. العربي بحاجة إلى المناهج العقلانية المعتدلة والمتسامحة التي تحترم عقل الإنسان وتشبع عاطفته من خلال تنمية مقومات الخير والفن والجمال في نفسه.. الأمر الذي -إن تم- سيبطل كل دساتير منظري (داعش) التي لووا فيها أعناق النصوص والنفوس، وشوهوا بها وجه الإسلام المعتدل والجميل.. والمختطف.. مع شديد الأسف. m.albiladi@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :