إطلالة عميقة على الواقع الثقافي المصري في أفقه المحلي واشتباكه مع آفاق ثقافية وفكرية أخرى، حملها عدد نوفمبر (تشرين الثاني) من مجلة «الثقافة الجديدة»، الشهرية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة. وعلى مدار مواد العدد تتنوع زوايا النظر، وطرق التشخيص والتحليل والفهم وطرح الحلول للكثير من المشكلات الثقافية. في هذا السياق خصصت المجلة ملفًا خاصًا بعنوان «ظاهرة الجماهير»، يناقش الخروج الكبير غير المسبوق للجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، بدءًا من تونس نهاية عام 2010، ثم انتقلت الظاهرة إلى مصر وأضحت أكثر حدة ووضوحًا، وانتقلت منها إلى ليبيا وسوريا واليمن والبحرين والكويت، فزلزلت حكامًا، وقسمت دولاً، وأشاعت الفوضى في كل مكان. عن تلك الظاهرة كتب د. مصطفى رجب مقالاً بعنوان «العقل ليس كافيًا لتتحرك الجماهير»، ونشر حمدي عبد الرحيم «من دفتر مندوب مرشح»، ومسعود شومان عن «الموالد.. طقس عبور الجماعة للحياة». وتناول د. محمد عبده أبو العلا «ظاهرة تشكُّل الجماهير بين جوستاف لوبون وسيغموند فرويد»، وأيمن مسعود «ماذا فعل النازيون مع هتلر، والليبيون مع القذافي؟»، وكتب عمر شهريار مقالاً بعنوان «أيتها الجماهير الغفيرة.. أنت بلهاء ومغفلة»، ونشر حمادة جمال ناجي موضوعًا عن «الوعي الاجتماعي ودوره في إيقاظ الجماهير الصامتة»، وعرض محمد صلاح غازي لكتاب «كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط؟». وشارك رحاب إبراهيم بموضوع «عبور الطريق الخطر - الوحدة والمجموع»، والشريف منجود بـ«الوعي الزائف وجماهير الدرجة الثالثة». واستهل الملف الشاعر عزت إبراهيم عضو مجلس التحرير بمقالة بعنوان «الجماهير الغفيرة وصناعة الفوضى»، خلص فيه إلى أن الجماهير ستظل رهينة الحاجة والعوز حتى يرد للثقافة اعتبارها وللتعليم قيمته وللإنسان العربي الحق في العيش الكريم والتعبير عن إرادته الحرة دون الخوف على مستقبله وصحته ومستقبل أبنائه وصحتهم. وكتب الشاعر سمير درويش، رئيس التحرير، افتتاحية العدد بعنوان «أنا ينايري مهزوم رغم تخلي الرئيس المخلوع»، خلص فيها إلى أن علم نفس الجماهير موضوع مهم انتبه له المفكرون وعلماء النفس والاجتماع منذ قرون وأخرجوا نظريات تحاول تفسير الأسباب التي تجعل الجماهير تحجم عن المشاركة الآن، ثم تندفع للمشاركة غدًا بشكل لا يكون محسوبًا أحيانًا، وفي الحالين لا تستطيع أن تجد منطقًا يفسر مسلكها. أما «ملف الأدب» فاحتوى على خمس قراءات نقدية، ناقشت ثنائية الشعر والنثر، والسرد في شعر الحداثة، وكتابة المذكرات، وعلاقة الثقافة والتكنولوجيا، ومفهوم الجماهير الغفيرة، بين الفاعل والمفعول به. وتضمن العدد قصائد لمجموعة من الشعراء من تيارات شعرية مختلفة، منهم: جمال القصاص، وإبراهيم عبد الفتاح، وعزة بدر، ومحمد عبد الستار الدش، وغادة خليفة، وعبير عبد العزيز، وسناء مصطفى، وأحمد اللاوندي، وقصصًا لعزة رشاد، وصفاء النجار، وابتهال الشايب، ومحمد إبراهيم محروس، وآخرين. وضم باب «تحديث الخطاب الديني» ثلاثة مقالات، ناقشت تجديد الخطاب الديني، من حيث المعنى والضرورة، والفقه الذكوري، وإشكاليات علم الحديث. وتضمن «ملف الترجمة» قصيدة «حجر الشمس»، للشاعر المكسيكي أكتافيو باث. ترجمة محمد السنباطي، و«لهو براغ»، وهو فصل من رواية للروائي الأميركي فيليب روث. ترجمة ياسر شعبان، وتضمن باب «المكان الأول والأخير» مقالاً للقاصة غادة هيكل عن ذكرياتها ودلالات نشأتها في قرية مصرية، وما طرأ عليها من تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية. وفي «رسالة الثقافة» حوار مع الدكتور صلاح فضل، أجراه الكاتب محمود قنديل، يؤكد فيه فضل أن الأدباء والفلاسفة والمثقفين هم المنوط بهم تجديد الخطاب الديني وليس شيوخ الأزهر. وفي «الثقافة الشعبية» كتب حمدي سليمان عن الحرف البيئية التي تقوم على ألياف النخيل في الواحات البحرية، وفي رثاء الشاعر الكبير حسن فتح الباب كتب د. أحمد كريم بلال مقالاً بعنوان «تناقضات الحارس السجين حسن فتح الباب». بالإضافة إلى عروض الكتب، والقطوف التي تم اختيارها من كتاب «عصر الجماهير الغفيرة» للدكتور جلال أمين. واستضاف العدد على هامش محتوياته عددًا من لوحات الفنان حسن سليمان. يرأس مجلس تحرير المجلة الشاعر سمير درويش، وتضم في عضويتها الأدباء والشعراء: شحاتة العريان، وحمدي أبو جليل، وجمال العسكري، وصبحي موسى، وعزت إبراهيم، مدير التحرير، وعادل سميح. وكان الماكيت الرئيسي للفنان أحمد اللباد، وتصميم الغلاف للفنانة صابرين مهران.
مشاركة :