حدود الديمقراطية الدينية..

  • 11/4/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تعقيباً على مقال حدود الديمقراطية تلقيت عدداً من الردود والتساؤلات التي أراها هامة، اخترت منها ثلاثة أراها معبرة وممثلة: - التعقيب الأول: الديمقراطية في الدول الديمقراطية العريقة تساوي احترام القانون من قبل الجميع وتطبيق القانون على الجميع، وحتى التغيير والتطوير والمراجعة للقوانين وللدستور تكون من خلال القانون واتباع إجراءاته، وليس من خلال احتلال الشوارع والاعتداء على القانون وإثارة الفوضى ومحاولة إجبار السلطة بالقوة والابتزاز للاستجابة لطلبات فئة معينة على حساب الدولة وبقية مكونات المجتمع وبدون أي توافق على المفاهيم والبرامج والأسس، ومن هنا نعتقد ان على الدولة ان تطبق القانون بحذافيره على الجميع دون استثناء او تراخٍ، وذلك هو الطريق الأول لتحقيق الديمقراطية. - التعقيب الثاني: قرأت المقال وتأملت ما جاء فيه من تحليل اتفق معه في المجمل، إلا انني أود أن أضيف أمراً قد يكون غير معتادٍ في مثل هذا السياق أو غير مقبول بالنسبة للعديدين، وهو ان النظام الديمقراطي بشكله الغربي والذي يعتمد على صناديق الاقتراع قد لا يكون مناسباً في هذه المرحلة لبلداننا، لان صناديق الاقتراع يمكن ان تأتينا بأغلبية دينية متسلطة تكرس الطائفية والأصولية الدينية على حساب الديمقراطية نفسها، وتذكر أخي العزيز ان الفاشية والنازية قد وصلتا إلى السلطة بأغلبية انتخابية مطلقة ولكنهما أوصلتا ألمانيا وايطاليا والعالم كله إلى كارثة تعرفها.. ما الحل؟ هذا هو السؤال، وليس لي جواب عنه، فهل لديك جواب؟؟. - التعقيب الثالث أخي العزيز هناك ﻤﻥ ﻴﻘﻁﻊ ﺒﺎﻟﺘﻨﺎﻗﺽ ﺍﻟﻤﺘﺄﺼل ﺒﻴﻥ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻭﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ، ﻜﻭﻥ ﺍﻷﻭل ﻴﻤﺜل ﻋﻘﺒﺔ كأداء ﺃﻤﺎﻡ ﺍﻟﻘﻴﻡ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺴﺔ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ، ﻭﺜﻤﺔ ﻤﻥ ﻴﺒﺸﺭ ﺒﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ إسلامية على النمط الإيراني أو حتى على النمط الإخواني، ﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ ﺃﻥ ﺠﻭﻫﺭ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﻤﻥ ﺼﻤﻴﻡ ﺍﻟﺸﺭﻴﻌﺔ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ، ﺃﻤﺎ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺜﺎﻟﺙ، ﻓﻴﺭﻜﺯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻌﺩ ﺍﻹﺠﺭﺍﺌﻲ ﻟﻠﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﻭﻴﻌﻁﻴﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻭﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺒﺎﻗﻲ ﺍﻷﺒﻌﺎﺩ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ، وﻫﻨﺎﻙ ﻤﻥ ﻴﺠﺎﺩل ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ، ﺘﺨﺎﻟﻑ ﻏﻴﺭﻫﺎ في ﻨﺸﺄﺘﻬﺎ ﻭﻤﺭﺠﻌﻴﺘﻬﺎ ﻭﻏﺎﻴﺘﻬﺎ، وأنا شخصيا أرى ان بإمكان المسلمين والعرب أن يصنعوا لهم نظاماً ديمقراطياً ينبني على أساس المصلحة العامة والتوافق الوطني على أسس القيم والثوابت الروحية، ولا اعتقد انه بالإمكان ان يكون الإسلام عائقاً أمام الديمقراطية التي يشارك فيها الناس في إدارة شؤونهم ومحاسبة حكامهم. انتهى التعقيب.. والحقيقة ان هذه التعقيبات تؤكد حيرتنا أمام موضوع الديمقراطية، مفهوماً ورؤيةً وممارسةً، واختلاط الحابل بالنابل خلال المناقشة، وتعكس اختلاطاً في المنهجيات المتبعة في المقاربة، ونتج عن ذلك خلط بين أكثر من موضوع في سياق واحد، ومن ذلك الديمقراطية والدين، مع انهما من مجالين مختلفين لا يلتقيان إلا في بعض القيم المشتركة، وعلى ذلك بالإمكان مناقشة الموضوعين بإيجاز في حدود ما تسمح به هذه المساحة: أولاً: الديمقراطية والقانون: بخصوص الديمقراطية والقانون في سياق القيم والمفاهيم الحاضنة للديمقراطية في مفهومها الغربي، فهما شرطان متلازمان، فأي خروج عن القانون - الذي يفترض فيه ان يكون معبراً عن إرادة المجتمع الحر - هو خروج عن الديمقراطية وذبح لها، بما يتيح للدولة التصدي لكل متجاوز للقانون بالقانون، حفاظاً على المصلحة العامة وعلى القانون الذي هو ترجمة عملية لإرادة المواطنين. ثانياً: الديمقراطية والدين: يعكس هذا الموضوع ما نعيشه كعرب من حالة انفعال - لا تفاعل حضاري - إذا المعضلات والقضايا الكبرى والتحديات التي تواجهنا، فنحن نحيا حالة انفعال أشبه ما تكون بردّة فعل كائن مذعور خائف في هذا العالم، كأننا لم نعد ندرك ذواتنا، إلا عبر إدراك الآخر لنا، والثقافة العربية إذن، لا تعيش التثاقف والتفاعل منتجة لتفاعل فكري جادٍّ، وإنما ما نشاهده علاقة تلقف نمط عيش استهلاكي مادي شكلي، بعيد كل البعد عن المضامين الفكريّة المؤسسة لبنية الحضارة الإنسانية، والديمقراطيات المطروحة اليوم هي ضمن الإطار المجتمع الذي يدير شؤونه وفق منطق العقل والمصالح والممكنات وليس وفقاً للميتافيزيقيا، ولذلك فالخطر المحدق بنا، كان، وما زال، ذا وجهين: الأول أن العقل الذي حَكَمَنا غلَّب فينا عقلاً طائفياً تفتيتياً أسَرَنا، والثاني أنه غلَّب علينا عقلاً حداثوياً استلبنا.. والمطلوب في النهاية تجاوز الاستلابين، الأصولي والحداثوي لانباتتهما عن الواقع، غير أن هذا الطرح مازال غير مكتمل النمو في الوعي والفكر العربي وإن وجد فهو محصور في إطار النخب ولم يتحول إلى وعي شعبي كي يترجم إلى واقع، والمسألة تحتاج إلى نضج حضاري ربما يتكفل الزمن في إنضاجها برغم كل الصعوبات والتحديات. ومن هنا بالإمكان ﺘﻁﻭﻴﺭ ﻨﻤﻭﺫﺝ ﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻲ ﻤﺤﻠﻲ (ولنسمه ﺇﺴﻼﻤياً مثلاً) فإن ﻗﻭﺍﻋﺩ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ، ﻭﻻﺴﻴﻤﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﻤﻨﻬﺎ ﺒﺎﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻌﺎﻡ المتغير، من الصعب جداً ان تتناسب مع مقتضيات المجتمع الديمقراطي، وﻤﻊ ﻤﺘﻁﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺭﺓ، ﻓﻀﻼً ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻙ، ﺍﺘﻀﺢ ﻤﻥ ﺨﺒﺭﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ المحلي ﺃﻥ ﺍﻨﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺩﻴﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻁﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، ﺃﻭ ﺍﻨﻐﻼﻗﻪ ﺩﻭﻨﻬﺎ، قد ﺍﺭﺘﺒﻁ ﺩﺍﺌﻤاً ﺒﺩﺭﺠﺔ ﺍﻨﺨﺭﺍﻁ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ نفسه ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ، وليس بدرجة انخراطه في الدين أو الطائفية، ﺒﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻻنخراط يكون مفيداً وحاسماً عندما يتحرر الفرد من سلطة الطائفية والانتماءات ما قبل الوطنية ليكون مواطناً، بما ﻴﺠﻌل ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺩﻴﻨﻲ ﺃﻜﺜﺭ ﺘﻘﺒﻼً ﻟﻀﺭﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ ﻭﻤﺘﻁﻠﺒﺎﺘﻬﺎ، ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺴﻴﻘﻭﺩ، ﺒﺎﻟﻀﺭﻭﺭﺓ، ﺇﻟﻰ ﺘﺨﻠﻴﻪ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻅﻬﺭﺕ ﺃﻭ ﺘﻁﻭﺭﺕ ﻓﻲ ﻅل ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﻤﺎ ﻗﺒل ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ، ﻭﺒﻘﻴﺕ ﺠﺯﺀﺍً ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺭﺍﺙ ﺍﻟﺩﻴﻨﻲ ﺤﺘﻰ ﺍﻟﻴﻭﻡ. وما عدا هذا التوجه الذي نتمنى ان يقودنا في المستقبل إلى الفصل بين السياسة والدين، وبالتالي يقودنا إلى دائرة المواطنية كأفق جامع، ما عدا ذلك فإن الديمقراطية التي تنادي بها التيارات الدينية لا يمكن ان تكون سوى ﺘﺴﻭﻴﻎ للاستبداد.

مشاركة :