المسرح صديق مخلص للكتاب

  • 11/4/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

المسرحية هي الجنس الأدبي الوحيد الذي يكتسب مشروعية تأصيله من خلال التجسيد ولذا اعتبروه أدباً يمشي، أما الأجناس الأخرى كالشعر والرواية والقصة القصيرة وغيرها يمكن أن تقرأ بشكل فردي، لكن المسرحية تتطلب جهداً جماعياً في الإنجاز، وهنا العلامة الفارقة التي تميزت بها المسرحية عن بقية الأجناس الأدبية، حيث تخضع لعديد من الفعاليات الجمالية وتعمل بها حيوات تركب تلك العلاقة المعقدة بين المتلقي والعرض الذي تعتبر فيه المسرحية نصاً أدبياً وهو جزء من منظومة تعبيرية كاملة، وربما يكون هذا هو السبب الذي أبقى المسرحية بعيدة عن المتناول والشيوع في القراءة كبقية الأجناس ويمكن إيعاز هذه الندرة أساساً إلى الجذوة الأولى عند الإغريق، حيث تعرّف الإنسان إلى المسرحية على أنها ـ تنجز ـ كما في تعريف الفيلسوف والناقد المسرحي الأول أرسطو في كتابه فن الشعر من أن الدراما لا بد أن تنجز بواسطة أشخاص، وهذا أعطى للمسرحية تفرداً واستعداداً نفسياً للمتلقي من أن المسرحية تكتب لتشاهد لا لتقرأ عدا المختصون في المسرح وعدد قليل من المهتمين به وذلك لم يقلل من شأن المسرحية أولاً كأدب وثانياً كفن لها تأثير نفسي يتشارك مع البنية الاجتماعية في الحياة، فقد تعددت أساليبها وتنوعت مذاهبها وخضعت لتغيرات وفق ما جرى في العالم وامتلكت ديمومة تتسق والفنون والآداب المعاصرة ولأساليب ونظريات التلقي وثورة المعلومات التي أثرت في بناء المسرحية. ومن هنا فإن ارتباط المسرحية بالقراءة يمتد إلى زمن اللبنات الأولى للحضارة الإنسانية، فظهور المسرحية ترك لنا إرثاً تمثل في أطلال المسارح اليونانية التي بنيت من أجلها مكاناً للتقديم وأصبحت شاهداً على قيمة الوعي في تلك البقعة من الأرض وإنها ـ المسرحية ـ كانت تكتب شعراً لجلالها في الأهداف وكانت هناك مسابقة للنصوص شجعت الإنسان على الاهتمام بهذا النمط من الأدب الذي حفظ تراثه وأصبح شغوفاً بقراءتها فيما بعد. ويمكن لنا أن نتعرف إلى الكثير من التجارب المسرحية التي تبنت فكرة القراءة ومتانة العلاقة بالأصناف الأخرى من الأدب، ومثالنا ما حظت به رواية الكاتب فكتور هوغو أحدب نوتردام من اهتمام في إعدادها للمسرح التقليدي وحتى أوبرا أيضاً، وفي الوطن العربي تحولت الكثير من الروايات العربية والأجنبية لنصوص مسرحية فمعظم روايات الكاتب العالمي نجيب محفوظ حولت نصوصاً مسرحية لتعرض على خشبات المسارح في مصر وخارجها، وهذا الأمر ينسجم مع تجارب في المسارح العربية الأخرى وهو اعتراف ضمني بشيوع فكرة القراءة للرواية عن طريق المسرح وأجد أن هذا الفعل يدفع المتلقي لمعرفة المزيد عن طريق القراءة الفردية وهو ضرب من تشجيع المتلقي على القراءة لروايات أخرى وفي الإمارات تبرز تجربة المخرج المسرحي ناجي الحاي في مسرحيته ما كان لأحمد بنت سليمان التي أعدها عن رواية ليلة القدر للكاتب المغربي الطاهر بن جلون الذي يكتب باللغة الفرنسية، أو فكرة القراءات الشعرية التي اكتسبت صفة العرض المسرحي من خلال تقديم القصائد وفق نسيج درامي فذاك بالتأكيد هو من أساليب القراءة أيضاً بل ومشجعاً لقراءة الشعر ذلك أن العرض بأساليب تقنية وجمالية يدفع بالشعر إلى شحنة تعبيرية ربما تكون دافعاً للمتلقي الاستزادة من قراءة شعر الشاعر ونحن نعرف التجربة الثرية للشاعر الكبير محمود درويش الذي استثمرت العروض المسرحية شعره في أكثر من مناسبة وكان مواظباً على مشاهدة المسرح لذا انعكس ذلك كثيراً على درامية شعره، ومنها قصيدته الطويلة جدارية التي تحولت إلى مسرحية بنفس الاسم وللمخرج العراقي قاسم محمد تجربة مع أشعار سميح القاسم. وفي تجربة مسرحية أخرى (افتح يا..) استثمرت الجو الأسطوري الذي تنثره صفحات ألف ليلة وليلة لتنسج لنا حكاية علاء الدين والمصباح السحري الذي ظهر الجني يشكو من تمزيق الأطفال لكتبهم بعد الانتهاء من فترة الامتحانات وقد كانوا يفعلون ذلك بدافع من علي بابا الذي سرق المكتبة ليخبئها عن الأطفال لكن جهود علاء الدين ودعوته للسندباد للبحث عن تلك الكنوز ـ الكتب ـ تكللت بالنجاح والدعوة لعدم تمزيق الكتاب بل الاحتفاظ به وهكذا يسهم الطفل بإرجاع الكتب للمكتبة لقراءتها. وكانت مسرحية (الكتاب المستعمل) هي الأخرى دعوة واضحة لترسيخ مفهوم وخير جليس في الزمان كتاب عندما بدأ غلاف الكتاب بالبحث عن أوراق الكتاب المتناثرة والتي خضعت للعبث من قبل العابثين لتصنع منها أكياساً للعطار أو لتسد فراغات في صباغة بيت أو طائرة ورقية ولكن رحلة البحث تصارع كل تلك الشخصيات العابثة لتتفق مع اللاصق الذي يساعد في إعادة الكتاب ليكون خير جليس للطفل، وتجربة أخرى في دعوة الطفل للقراءة من خلال تقديم عرض مسرحي (الكتاب والكمبيوتر) وهو يناقش أهمية الاستفادة من الاثنين بما لصلاح فكر للطفل والدعوة للقراءة، إن مثل هذه التجربة هناك تجارب كثيرة في المسرح المدرسي عبر مسرحة المناهج وهو قراءة من نوع خاص عبر التجسيد والتفاعل البناء بين الطفل والموضوعات المقررة في المنهج الدراسي، بل وهناك نصوص كثيرة تدعو للقراءة عبر معالجات ربما تأخذ في أحيان كثيرة جانباً وعظياً لا يؤثر في الطفل، فدعوة الطفل للقراءة نعتقد أنها تأتي من خلال عروض لا تنصح بقدر ما تجسد عبر أساليب مسرحية تتسم بالمتعة والفكر بل تضع إمكاناتها الجمالية التي تجذب الطفل للتعاطي مع فكرة القراءة . وكان هناك مشروع في الشارقة اسمه كتاب في المسرح يدعو لانتقاء بعض الكتب المؤثرة وتقديمها عبر عرض مسرحي وهو دأب لا يخلو من نتائج إنسانية مؤثرة بل لو قدر له فإنه يمكن تطويع وسائل كثيرة تحتكم للاقتصاد في نفقات الإنتاج من خلال استثمار ما متوفر من خامات أو مواد مستعملة يسهل تدويرها بين العروض التي تتخذ من الكتاب فكرة للعرض وتشجيع القراءة له عبر التجسيد الذي ذكرنا أهميته في البداية يجسد تلك العروض الأطفال أو المحترفون، بل يمكن الاستفادة من فكرة المسرح التفاعلي في دفع الطفل للمشاركة في القراءة بتلقائية وبهذا يكون المسرح عوناً للقراءة وتصبح الأفكار عروضاً مشجعة لتقديم كل ما هو جديد من الكتب العلمية أو التقنية والقصصية وحتى الشعر. فالمسرح صديق مخلص لفكرة القراءة.

مشاركة :