تزايد حالات الانتحار في إيران يسلط الضوء على القلق بشأن الوضع الاقتصادي

  • 11/5/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دخل روح الله بارازيده (38 عاماً) الأب لـ3 أطفال، والذي يعيش في جنوب إيران، إلى مكتب محلي لمؤسسة تساعد قدامى المحاربين وعائلاتهم طالباً الحصول على عمل، وفقاً لوكالة «أسوشيتد برس» للأنباء. وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية بأن بارازيده هدد المسؤولين بأنه سيلقي بنفسه من على سطح مبناهم إذا لم يقدموا له المساعدة، وحاول المسؤولون التفكير في حلّ معه، ووعدوا بقرض ضئيل، لكنه غادر غير راضٍ. وسرعان ما عاد الرجل إلى بوابة المبنى، وسكب البنزين على نفسه، ووضع عود ثقاب مشتعلاً على رقبته، وتوفي متأثراً بحروقه بعد يومين، في 21 أكتوبر (تشرين الأول). صدم انتحار بارازيده في مدينة «ياسوج» كثيرين في إيران، خاصة أنه نجل غول محمد بارازيده، البطل البارز في حرب إيران مع العراق (1980 - 1988) التي خلفت مئات الآلاف من القتلى. وسلطت الحادثة الضوء على الغضب العام والإحباط المتزايد الذي سبّبه تدهور الاقتصاد الإيراني وارتفاع معدلات البطالة وتصاعد أسعار المواد الغذائية. وقعت الحادثة خارج المكتب المحلي لمؤسسة «الشهداء ومعاقي الحرب»، وهي وكالة حكومية ثرية وقوية عكفت على مساعدة عائلات القتلى والجرحى في «الثورة» الإيرانية عام 1979 وما تلاها من حروب. وقالت مينا أحمدي، الطالبة في جامعة بهشتي، شمال طهران: «لقد صدمت عندما سمعت النبأ. اعتقدت أن عائلات ضحايا الحرب تتمتع بدعم سخي من الحكومة». ومن المعروف عن إيران أنها تثمن غالياً قتلى حربها مع العراق، المعروفة في طهران باسم «الدفاع المقدس»، وتلعب المؤسسة دوراً كبيراً في ذلك. وبعد قيام «الثورة» بتثبيت النظام الذي يديره رجال الدين، بدأت المؤسسة في تقديم معاشات التقاعد والقروض والإسكان والتعليم حتى بعض الوظائف الحكومية رفيعة المستوى. وبحسب وسائل الإعلام المحلية، وبعد انتحار بارازيده، طردت المؤسسة اثنين من كبار مسؤوليها الإقليميين، وطالبت بإقالة مستشار الشؤون المخضرم والإخصائي الاجتماعي للمحافظ، وانتقدت فشلهما في إرسال الرجل المنكوب إلى منشأة طبية أو غيرها للمساعدة. وصلت التداعيات إلى أعلى مستويات الحكومة، ووصف شرف الدين ملاخسيني، مستشار المرشد علي خامنئي، القضية بأنها تحذير من أن المسؤولين يجب أن «يتخلصوا من البطالة والفقر وانقطاع الروابط الاجتماعية». كان البرلمان بدأ في عام 2014 تحقيقاً بشأن مزاعم اختلاس 5 ملايين دولار بأحد البنوك الرئيسية التابعة للمؤسسة، ولم يتم الكشف عن نتائج التحقيق. ومن المعروف أن المؤسسة تقدم الدعم المالي للمنظمات المسلحة في المنطقة، من «حزب الله» في لبنان إلى «حماس» في غزة، ما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليها في عام 2007 لدعمها الإرهاب. وجاء انتحار بارازيده واحداً من عدة حالات انتحار في السنوات الأخيرة، بدت مدفوعة بالصعوبات الاقتصادية. وأدّت عمليات إضرام النار في النفس في السنوات الأخيرة إلى مقتل اثنين على الأقل من المحاربين القدامى، وإصابة زوجة أحد المعاقين خارج فروع المؤسسة في طهران وكرمنشاه وقم. وفي الوقت الذي تسببت فيه جائحة فيروس كورونا في فوضى اقتصادية، زادت حالات الانتحار في إيران بأكثر من 4 في المائة، وفقاً لدراسة حكومية استشهدت بها صحيفة «اعتماد» اليومية. وبالنسبة لكثيرين في الشرق الأوسط، فإن عملية الاحتجاج بالتضحية بالنفس، التي لجأ إليها بائع الفاكهة محمد البوعزيزي في تونس، ما أصبح حافزاً لانتفاضات الربيع العربي عام 2011، تثير استياء أوسع نطاقاً من المشكلات الاقتصادية وانعدام الفرص. وعلّق رضا هاشمي، مدرس الأدب في مدرسة ثانوية بطهران بقوله: «لا أعرف إلى أين نتجه بسبب الفقر». وفي عام 2018، انسحب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض عقوبات على إيران، ما أدى إلى تدمير الاقتصاد المعتمد على النفط الذي تعثر بالفعل بسبب عدم الكفاءة. وأدى الوباء إلى تفاقم اليأس الاقتصادي حيث فقد نحو مليون إيراني وظائفهم، وارتفعت البطالة إلى أكثر من 10 في المائة، وهو معدل يقارب الضعف بين الشباب. وارتفع هروب رؤوس الأموال إلى 30 مليار دولار، ما أدى إلى طرد المستثمرين الأجانب. وتعثرت المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي في الأشهر الخمسة منذ تولي الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي السلطة، ما سمح لطهران بالمضي قدماً في برنامجها النووي. وأعلن الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، أن المحادثات بين القوى العالمية وإيران بشأن إحياء الاتفاق ستستأنف في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في فيينا، وأثار الإعلان آمالاً متواضعة بأن تتمكن إدارة جو بايدن من إحياء الاتفاق. وذكر محمد قاسم عثماني، المسؤول في خدمات تنظيم المراجعة الحكومية، أنه «من المستحيل إخفاء استياء الناس من الاقتصاد. فهيكل البلد خاطئ ومريض، نحن بحاجة إلى ثورة اقتصادية». وتراجعت العملة الإيرانية (الريال) إلى أقل من 50 في المائة من قيمتها منذ عام 2018، ولم ترتفع الأجور لتعويض الخسارة، وذكرت وزارة العمل أن أكثر من ثلث السكان يعيشون في فقر مدقع. وفي مناظرة تلفزيونية الأسبوع الماضي، قال النائب حميد رضا حاجبابائي، رئيس لجنة الموازنة البرلمانية، إن «نحو 40 مليون شخص في البلاد بحاجة إلى مساعدة فورية وفورية»، في إشارة إلى ما يقرب من نصف السكان. وتجاوز الفقر المدقع مجرد الأرقام ليصبح جزءاً مرئياً من الحياة اليومية. ففي شوارع طهران، تزايدت أعداد الباحثين في القمامة عن شيء يمكن بيعه، ويبيع الأطفال الحلي والمناديل، ويطلب المتسولون المال في غالبية التقاطعات، وهو مشهد نادر خلال العقد الماضي. وتصاعدت السرقات الصغيرة، وأصدرت محكمة بطهران، الأسبوع الماضي، حكماً على أب يبلغ من العمر 45 عاماً بالسجن لمدة تتراوح بين 3 و10 أشهر، و40 جلدة بتهمة ضبط بضع علب من الفول في جيبه. وألقى اللواء علي رضا لطفي، رئيس المباحث في طهران، باللوم على الوضع الاقتصادي في تصاعد الجريمة، مشيراً إلى أن أكثر من نصف المحتجزين العام الماضي كانوا من الجناة لأول مرة. ويبدو أن الرئيس الإيراني فشل في التعامل مع الضغوط الاقتصادية، على الرغم من وعود حملته بخلق مليون فرصة عمل من خلال مشروعات البناء والسياحة. لكن كثيراً من العمال ذوي الأجور المتدنية الذين يتحملون وطأة الأزمة الإيرانية لم يعد لديهم أمل. ففي قضية أخرى جذبت اهتماماً كبيراً الشهر الماضي، شنق مدرس يبلغ من العمر 32 عاماً نفسه في مدينة غيراش الجنوبية بعد أن رفض أحد البنوك طلبه للحصول على قرض بقيمة 200 دولار.

مشاركة :