رواية يوميات روز، للكاتبة الإماراتية ريم الكمالي، تستفيض في صفحاتها حول التاريخ في الإمارات وخاصة مدينة دبي ما قبل الستينيات، كما استفاضة في رواياتها السابقة «تمثال دلما» الحاصلة على (جائزة الشارقة للإبداع) و»سلطنة هرمز» الحاصلة على (جائزة العويس للإبداع) على لحظات بعيدة من التاريخ، فضلاً عن التركيز على الكثير من القيم الأخلاقية والوطنية لجيل كامل جاور البحر بحكاياته المزدحمة، وتراثه الخاص الذي يختلف عن تاريخ الرعي وإرث الزرع، كما أنها قريبة جداً من واقع ما، لحياة أشخاص حقيقيين تم تجسيد حكايتهم عبر الرواية، حيث تنطلق الكاتبة في كتابة روايتها عن فتاة تختلقها من وحي فتيات كثيرات معذبات على وجه الأرض، معذبات لأنهن خلقن إناثا في مجتمع ذكوري يضطهد الأنثى باسم الدين، باسم الأعراف والتقاليد التي تقيد روحها داخل سجن الجسد المنهك بالأسئلة، يشعرونها بأنها طفلة في حضرة علمهم، فهم من حفظوا النصوص والتشريعات والأحكام، وأشياء كثراً لا تمت إلى الله بصلة، وأن بإمكانهم إقناع العقول بما يريدون بطرق شتى. تدور الرواية من خلال بطلة السرد «روز» الأنثى الإماراتية المشتعلة التي عاشت في فترة الستينيات في خان الشارقة، وهي متفوقة في دراستها ومبدعة في الكتابة، لكن وفاة والدتها ومن قبل والدها، جعلتها تمضي بقية حياتها في بيت عمها في شندغة دبي، مع جدتها وتقاليد البيت الصارمة، تلك النقلة التي سببت المعاناة لروز، سطرتها في كتابها السري «يوميات روز»، وخصوصاً بعد أن زارها في الحلم طه حسين وقال لها: «اكتبي يا روز، اكتبي ولا تكوني سوى نفسك». كما تصف الكاتبة الإبداع والثقافة والموهبة التي تمتلكها الشابة روز من خلال رسالة مدرستها التي وجدتها في مكتب عمها وهو لم يخبرها عنها، تصفها فيها بأنها متميزة في اللغة ويجب أن تتابع دراستها، إضافة إلى رسالة صديقتها من بغداد التي تسأل عنها، وتصف قدرة روز في الكتابة وجمال اللغة من خلال حفظها لأبيات من شعر امرئ القيس، ومن الشعر العراقي. ومن خلال جمالية السرد واللغة الجميلة، استطاعت ريم الكمالي أن تثري المشهد الروائي بالعديد من الصور والمشاهد التي تعكس الملمح الإنساني لشخوص تلك البقعة القاسية، وتبرز في مجملها صفات ذلك الزمان وأهله. من خلال وصف جماليات التراث والمباني القديمة في دبي، وظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها منطقة الخليج في الستينيات، كما ركزت الكاتبة على معالم بارزة في دبي منها دوار الساعة الذي كان يعد من أيقونات المدينة، ولسان الخور، وأول جسر بني في الإمارة، فضلاً عن دخول البنوك والفنادق إلى المنطقة في تلك الفترة، إضافة إلى إظهار بعض العادات والتقاليد والخرافات التي كانت تجري في بيت العم، وكذلك التي تفرضها الجدة من طقوس معينة داخل البيت حسب العادات والتقاليد المتبعة، وهذه التوليفة الزمكانية ستتيح للقارئ أن يحظى بمشهدية بانورامية قادرة على تفعيل حواسك الخمس أثناء القراءة، فالمكان هنا عنصر أساسي من عناصر النص، فكما يقول حسن بحراوي: «إن الوضع المكاني في الرواية يمكنه أن يصبح محدداً أساسياً للمادة الحكائية ولتلاحق الأحداث والحوافز، أي أنه سيتحول في النهاية إلى مكوّن روائي جوهري ويحدث قطيعة مع مفهومه كديكور». وبخصوص نهاية الرواية التي تعد صادمة للبعض، تقول ريم الكمالي: «إن الواقع القاسي الذي عاشت فيه البطلة هو الذي أوحى لها أن تنتهي الرواية بمثل الحلم عند روز»، وفي رأيي هذه النهاية تبرز لنا قدرة النظام الاجتماعي على إعادة تكييف وضعيته وتغيير سلوكياته وبناء مفاهيم جديدة، وكأن المفاهيم السابقة ما هي إلا مجرد حلم. خالد المخضب
مشاركة :