إن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، ضرورة أساسية لتأمين مستقبل البلدان النامية. في كل الأحوال، ستكون هذه البلدان، هي الأشد تضرراً بتغير المناخ. لكن فرض سياسات موحدة على الجميع للحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، ممارسة محكوم عليها بالفشل. فما لم تدرك البلدان المتقدمة التحديات التي تواجه الاقتصادات النامية والناشئة، وتتخذ الخطوات المناسبة لمساعدتها في الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصِـفر، فسوف نصبح جميعاً في حال أسوأ كثيراً. يُـحَـذِّر التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، بحلول عام 2040، ما لم تُـتَّـخَـذ خطوات عاجلة للتخلص من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. عقب إصدار التقرير، وصفه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على النحو اللائق، على أنه «إنذار بقدوم خطر داهم يهدد الإنسانية». يمثل الانحباس الحراري الكوكبي مشكلة متزايدة الإلحاح، ويتعين على كل البلدان أن تضطلع بدور واجب في مكافحته. لكن بينما يستعد مسؤولون حكوميون من مختلف أنحاء العالم، لوضع أهداف الاستدامة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26)، الذي تستضيفه مدينة جلاسجو الشهر المقبل، فلا يجوز لهم أن يتجاهلوا الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلدان النامية. تتوالى فصول أزمة المناخ، في حين تتصارع الحكومات والشركات في العالم النامي، مع التأثيرات التي تخلفها جائحة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد 19). الآن، بدأ الاقتصاد العالمي يخرج من الجائحة، ومن الواضح أن البلدان النامية ستتعافى بمعدل أبطأ. وسوف تتسبب وتيرة تسليم اللقاحات في زيادة الوضع الاقتصادي تعقيداً عل تعقيد. على سبيل المثال، قد لا تتلقى أكثر البلدان فقراً في أفريقيا، العدد الكافي من الجرعات لتطعيم سكانها بالكامل قبل عام 2023، في أقرب تقدير. وعلى هذا، فمع الإقرار بأن معالجة تغير المناخ تشكل حتمية طويلة الأجل، يجب أن تكون الأولوية العاجلة في البلدان النامية، تحقيق النمو الاقتصادي ــ إعادة تنشيط اقتصاداتها، والحد من الفقر، وخلق فرص العمل. إن بناء مستقبل أكثر اخضراراً، لا بد أن يؤتي ثماره في نهاية المطاف، لكن الأسر الجائعة تحتاج إلى الغذاء والوظائف اليوم. في الإعداد لقمة الأمم المتحدة لتغير المناخ، من المتوقع أن تكشف مجموعة السبع ومجموعة العشرين، عن خطط طموحة، والتي ستتضمن في الأرجح مطالبة جميع البلدان بالموافقة على موعد نهائي موحد، للوصول بصافي الانبعاثات إلى الـصِـفر بحلول عام 2060. يطالب كبار المستثمرين والمنظمات غير الحكومية، بأن تتوقف المؤسسات المالية على الفور عن تمويل مشاريع الوقود الأحفوري، واستغلال الغابات، وجعل عملياتها خالية من الكربون، وتعكف الهيئات التنظيمية على تشديد المعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة. الواقع أن كل هذه المبادرات، موضع ترحيب، لكنها تفشل في وضع التحديات التي تواجه العالم النامي في الحسبان. بطبيعة الحال، يتعين على البلدان النامية، أن تتحرك نحو مستقبل أكثر اخضراراً، والوصول بصافي الانبعاثات إلى الـصِـفر. لكن وتيرة التغيير المتوقعة غير واقعية. ففي غياب أي مسار قابل للتطبيق إلى الطاقة الخضراء والصناعات المستدامة، قد تزداد البلدان النامية تخلفاً عن الركب. يتلخص بديل أسهل في أن تعمل البلدان الأكثر ثراء، على تسهيل الانتقال من خلال تزويد الاقتصادات الناشئة، بثلاثة موارد: الوقت اللازم للتكيف، والدعم المالي، والمساعدة السياسية. أولاً، بينما ينبغي لبلدان مجموعة العشرين، أن تلتف حول مجموعة موحدة من المعايير العالمية، فيتعين عليها أن تعمل على تزويد البلدان الأكثر فقراً، بالوقت الذي تحتاج إليه للوفاء بهذه المعايير، من خلال الاعتماد على مواعيد نهائية متدرجة، تستند إلى مستويات التنمية والدخل. وفي حين لا يجوز لنا أن نخفف هذه المعايير، أو نتخلى عنها، فيجب أن ندرك أن العالم النامي، يبدأ من وضع غير مواتٍ، ويستحق الوقت والموارد لتنفيذ خطط المناخ. بل ربما تتطلب هذه الخطط استمرار الاستخدام الانتقالي للوقود الأحفوري، بينما يعمل صناع السياسات على إعداد مسار لائق إلى الطاقة المتجددة. في الوقت ذاته، ينبغي للولايات المتحدة، والدول الأوروبية، والصين، التي لا تزال تشكل المصدر العالمي الأكبر للغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، وتمتلك القدرة على البدء في التحرك نحو مستقبل أخضر، أن تبدأ التحرك الآن. ثانياً، ينبغي للدول الغنية أن تفي بتعهداتها، بتقديم الدعم المالي للجهود التي تبذلها البلدان الأكثر فقراً، للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه. كجزء من اتفاقية باريس للمناخ، التي أبرمت عام 2015، وافق العالم المتقدم على تقديم 100 مليار دولار في هيئة مساعدات سنوية للبلدان النامية، حتى عام 2020. لكن تقديرات تقرير مستقل صدر في ديسمبر/كانون الأول، تشير إلى أن جزءاً بسيطاً فقط من هذه المساعدات تحقق بالفعل. وبينما يناضل العالم النامي في التعامل مع التكاليف الاقتصادية المترتبة على الجائحة، يُـصـبِـح هذا الدعم أكثر أهمية، لدفع أجندة المناخ إلى الأمام. لكي تكتسب المصداقية، يجب أن تشمل أي التزامات جديدة من جانب البلدان المتقدمة، آليات إنفاذها، على عكس الوعود السابقة. أخيراً، بالإضافة إلى الدعم المالي، تحتاج البلدان النامية إلى المشورة بشأن السياسات والمساعدة في بناء القدرات. ومن الممكن أن يشمل هذا التوجيه، أفضل الممارسات للتخلص التدريجي من إعانات دعم الوقود الباهظة التكلفة، واكتساب القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا، وبناء المؤسسات والحوافز لاجتذاب رأس المال الأخضر. سوف تضع هذه الموارد، البلدان النامية، على مسار مستدام، إلى مستقبل منخفض الكربون. في ذات الوقت، يجب أن يتحمل المتلقون المسؤولية. يشكل إنشاء أطر العمل المناسبة لتقييم واختيار المشروعات، ومراقبة تنفيذها، وقياس التقدم المحرز مقابل المؤشرات المناسبة، أمراً بالغ الأهمية، لضمان استثمار رأس المال بشكل فَـعَّـال. * المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمؤسسة شركاء جاتواي (Gateway Partners)، وهي شركة أسهم خاصة تستثمر في الأسواق الناشئة opinion@albayan.ae طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :