الخوف من الفراغ والاكتئاب من تداعيات الحرب وما بعدها على الليبيين

  • 11/12/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

طرابلس - أدت الحرب الأهلية التي استمرّت عقدا بعد سقوط نظام الرئيس الليبي السابق الراحل معمر القذافي إلى دمار كبير وأحدثت شروخا غائرة في نفوس العديد من الليبيين الذين لا يزالون يحاولون تجاوز الصدمات النفسية التي نجمت عن هذه الحرب، والتي تتراوح بين “خوف من الفراغ” و”اكتئاب”. وكانت ميادة محمّد (21 عامًا) في العاشرة من عمرها سنة 2011 حين اندلعت في ليبيا الثورة التي أسقطت نظام القذّافي، وتركت دراستها منذ عامين “بسبب الحرب” فأصبح منزلها خلوتها التي نادرا ما تخرج منها بسبب “خوفها من الفراغ”. وقالت “أصبح الخروج من البيت، حتى مع أهلي أو إحدى صديقاتي، صعبًا جدًا لأنني أشعر بالضعف والغثيان وتتسارع دقات قلبي، حتى أنّني أخاف من السقوط أرضًا من شدة الاضطراب”. ولم يعرف شقيقاها (12 و14 عامًا) “إلّا الحرب والاقتتال وأصوات المدافع المرعبة والرصاص والقذائف التي كانت تمر فوق بيتنا في طريق المطار”. وتضيف في تصريح لوكالة فرانس برس “إن الأطفال الليبيين ضحايا الحروب والقتال لا يسمع أحدٌ صوتهم ولا يرى أحدٌ مأساتهم، سيكبرون مع هذه الذكريات الأليمة مثلي تمامًا”. تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية نقلته وسائل الإعلام يشير إلى أن واحدًا من كل سبعة ليبيين بحاجة إلى دعم نفسي ويرى مدرّس اللغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية في العاصمة طرابلس علي الميلادي (44 عامًا) أن ألعاب الأطفال “أصبحت أسلحة وذخائر يشتريها لهم آباؤهم غير مكترثين بتأثيرها عليهم وعلى عقليّتهم”. ويأسف لأن “الذين يعانون اضطرابات نفسية بسبب الحروب والصدمات” لا يزالون “متروكين يعانون مصيرهم، ومنهم الكثيرون اعتزلوا الحياة العامة أو انحرفوا، ومنهم من وجدوا في أنفسهم القوة اللازمة للخروج من النفق أو الاستمرار متجاهلين آلامهم”. ويروي الميلادي أنه حارب في مصراتة شرق طرابلس، أولى المدن المنتفضة ضد معمر القذافي في 2011، والتي قصفها الموالون له، مؤكدا أنه لا يزال يرى “شبح الموت الوشيك كلما حدثت اشتباكات مسلحة وحروب”. ويتابع “مازلت أرى الجثث والجرحى والدمار كلّما أغمضت عيني وأشمّ رائحة الموت وأسمع صوت القذائف حتى هذا اليوم، ولكنني لم أستسلم ومازلت أقاوم”. ويتنهّد الأب لثلاثة أطفال قائلًا “كأنها معركة لا تنتهي”. وأعقب توقف الحرب في صيف 2020 توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر نصّ على إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية في غضون تسعين يوما، لكن لم يسجل مذاك أي انسحاب كبير لهم في ظلّ عدم الاستقرار الأمني. وتتساءل الأخصائية في الصحة النفسية ملاك بن جابر “أين تنتهي الصدمة؟ عندما يُوقّع اتفاق سلام؟ عندما تهدأ البنادق؟ عندما تحصل هدنة مؤقتة؟”. وأكّدت بن جابر أن شعب ليبيا يُعيش “أوقات صعبة، وبعض هذه التجارب لا تزال تولّد صدمات”. حرب أهلية أحدثت شروخا غائرة في نفوس العديد من الليبيين حرب أهلية أحدثت شروخا غائرة في نفوس العديد من الليبيين وجراء ذلك عانى قطاع الصحة مثله مثل الكثير من القطاعات الأخرى، ولا تزال الصحة النفسية بعيدة عن أولويات الخدمات الصحية العامة خصوصًا في الأرياف. وتأسف بن جابر لأن ليبيا “تواجه نقصًا في خدمات الصحة النفسية”. ومستشفى الرازي في طرابلس هو المستشفى الرسمي الوحيد الذي يحتوي على قسم للطبّ النفسي مفتوح أمام غرب وجنوب البلاد، ما يعني أن على المرضى قطع المئات من الكيلومترات لتجديد وصفة طبية أو مراجعة أخصائي. وتندر الإحصائيات المتعلّقة بالصحة النفسية في ليبيا، حيث لا تزال الضغوط الاجتماعية حول الموضوع قائمة، إلّا أن تقريرًا حديثًا لمنظمة الصحة العالمية نقلته وسائل الإعلام يشير إلى أن واحدًا من كل سبعة ليبيين بحاجة إلى دعم نفسي. وتعتقد بن جابر أنه بالتزامن مع انتشار القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي “زاد تقبّل المشاكل النفسية (…) وأصبح الناس في حديثهم عن عدم ارتياحهم أكثر صراحة من ذي قبل”. وتضيف “أصبح استخدام كلمات مثل اكتئاب وقلق أسهل”، إلّا أن كثيرين لا يزالون مترددين في الذهاب إلى مركز للصحة النفسية خوفًا من وصمة العار. وتركت الأخصائية النفسية الأربعينية نسرين أدهم ليبيا عام 2014 عند اشتداد المعارك التي انتهت بسقوط طرابلس بين أيادي مجموعات مسلحة. وتقول في اتصال من طرابلس إلى مكان إقامتها الحالي في بريطانيا “استغرق الأمر عامين قبل أن أتمكن فعليًا من النظر إلى الصدمة التي مررت بها”. وتتابع “ليست ليبيا المكان المناسب لمواجهة مشاكل الصحة النفسية فيما البلد لا يزال منطقة حرب أو ما بعد الحرب”. وحسب رأيها “قد يريد المرء أن يكون في بيئة آمنة ومستقرة وداعمة حتى يشْرع في تفريغ الصدمة”.

مشاركة :