"إذا كان الجمال هو الذي يثير الحب، فإن الحنان هو الذي يصونه". (بلزاك) البشر مولعون بالمجهول وبتصديق الخرافات لذلك كان قُدامى البشر يؤمنون إيماناً تاماً بالأساطير والخرافات، والفرق بين الأسطورة والخرافة هو أن الأولى ترتبط بمكان أو إنسان أو حدث، له علاقة بالتاريخ، بينما الخرافة ترتبط أكثر بالخيال الذي ليس له علاقة بالواقع، ولم يكن البشر الأولون لديهم تفسيرات علمية للظواهر التي تحدث حولهم؛ لذلك تصديق أي خرافة تصدر كان هو الحل لتهدئة العقول وتطييب النفوس، وقد ربطوا أغلب ما يحدث حولهم بقصص الحب والعشق والصراع الأزلي ما بين الخير والشر، وفي تاريخ الفراعنة الذين عشقوا الأساطير ودونوا من خلالها كل ما يفكرون به هناك الكثير من الأساطير التي سجلوا من خلالها بعضا من واقعهم وأفكارهم، ومن ضمن هذه الأساطير (أسطورة ايزيس وأوزوريس) وهي قصة حب لم ينته حتى بالموت من خلال عدم اليأس والبحث عن الحبيب حتى بعد موته، حب يأتي من عالم الصدق والبراءة وبقوة إيحائية لكل رموز المشاعر المتناثرة من حب السلطة إلى الصراع بين الخير والشر وهذا يتجاوز الوصف العادي لأهمية تلك الأسطورة التي أخذت طابعا شموليا لمفهوم الحب المقهور والشر النازف والوفاء الفاقع البياض، مع انسياب شجن العشق وارتباك المحبين.. وهنا توظيف للمشاعر البشرية من خلال الحب واستنطاق الأساطير وزرعها في العقل الجمعي لنقل وتمرير الأفكار وتفاصيل الحياة اليومية والرغبات البشرية، فتتنازع البشرَ شتى الأحاسيس المتناقضة من دهشة وإثارة وإحساس بالأمل المفقود، ويقال إن أصل أسطورة أوزوريس أنه شخصية حقيقية كان ملكاً في عصر سحيق للغاية على أرض مصر كلها وكانت عاصمته شرق الدلتا «بوزيريس»، وقد فسر موته غرقاً على يد الإله ست أنه مات في ثورة ضده كان مركزها مدينة «أتبوس» التي أصبحت مقر عبادة الإله ست، وبذلك انقسمت مصر إلى مملكتين إحداهما في الدلتا والأخرى في الصعيد، ولكن ما يتم تداوله بشكل أوسع أن إيزيس وأوزوريس كانا إلهين ولكنهما عاشا بين البشر طويلا حتى اندمجا بكل ما فيهما وأصبحا أنصاف بشر كالناس لهم أفراحهم وأحزانهم ومشاعرهم الخاصة، ولكن الصراع الأزلي بين الخير والشر هو ما جعل اوزوريس يدخل في دوامة مع أخيه ست على حكم البلاد بعد موت الملك، وقد ألقى بجسد أوزوريس في النيل، غير أن زوجته المخلصة إيزيس ظلت تبحث حتى عثرت عليه في أحراش الدلتا. وعن طريق السحر الذي كانت تمارسه وتتسيده، أصبحت حاملاً. وقد أنجبت إيزيس ابنها حورس الذي أصبح وريثاً لعرش والده وانتقم لأبيه أوزوريس الذي أصبح ملكاً على أرباب العالم الآخر. تحوي هذه الأسطورة الكثير من الحب وألم البعاد، وتأخذ شكلا آخر من قيم الفروسية كالمروءة والبسالة والشهامة التي كان عليها اوزوريس، وفيها وصف بديع لتطور حال العشق ل ايزيس حيث إن هذا الحب الملتهب والدائم ألف جوهره الجمع ما بين الانفلات من تقلب الأهواء وتحصّن بتأكيد العاطفة من خلال عدم اليأس والبحث عن الحبيب حتى بعد موته، فلم يكن حبا مستحيلا بل كان حبا بالغ الصعوبة وجماله كان في عذاباته، فلغة الحب الحالية أصبحت فقيرة وضحلة لذلك نحتاج إلى ثورة للعشق.
مشاركة :