مع ارتفاع أسعار وقود التدفئة في سوريا خلال سنوات الحرب العشر وندرتها في غالبية الأحيان، بدأ السوريون رحلة البحث عن بدائل أخرى للتدفئة في فصل الشتاء القاسي وخاصة في المناطق الباردة والتي لا تكفيها كمية المازوت الموزعة من قبل الحكومة السورية، فأصبح تفل الزيتون أو "البيرين" الوقود المفضل للسوريين لتوفره أولا وسعره المناسب ثانيا. وتفل الزيتون أو "البيرين "، هو بقايا الزيتون بعد استخراج الزيت منه، يتم تجفيفه في الشمس وبعد ذلك يتم تحويله إلى كريات أسطوانية لاستخدامه في التدفئة في فصل الشتاء البارد. وفي بلدة سكرة بريف محافظة حمص (وسط سوريا) تتكدس كميات من تفل الزيتون، والتي تسمى محليا باسم "بيرين" في العديد من معاصر زيت الزيتون كجزء من عملية صنع كرات أسطوانية من البيرين، والتي تستخدم كوقود حيوي للسخانات في فصل الشتاء للتدفئة. وتشتهر محافظة حمص بهذه المواد، لانتشار زراعة أشجار الزيتون فيها بكثرة، وتراكم كميات كبيرة من تفل الزيتون في المعاصر، ولكون الجو شديد البرودة في حمص أكثر من مناطق أخرى في عموم الجغرافيا السورية، يلجأ الناس في حمص وفي الأماكن الباردة إلى استخدام البيرين كوقود بديل للمازوت. واعتاد الناس في تلك المناطق على تصميم مدافئ أو سخانات لتكون جاهزة لاستخدام "البيرين" بدلا من مدافئ المازوت المنتشرة في عموم المحافظات السورية. وروى باسل عودة، وهو طبيب أسنان يشرف على معصرة لزيت الزيتون، لوكالة أنباء (شينخوا) بإسهاب عن "البيرين" والشعبية التي اكتسبها بين السوريين كوقود صديق للبيئة، وعن إقبال الناس عليه كوقود بديل للمازوت. وقال عودة البالغ من العمر 40 عاما إنه قبل الأزمة، كان يباع تفل الزيتون لمصانع الصابون لاستخدامه في عملية تصنيع الصابون. وخلال الحرب ونقص الوقود الذي أعقب ذلك، وجد الناس أنفسهم بحاجة إلى إيجاد بدائل، على سبيل المثال، العودة إلى الحطب في دمشق وتفل الزيتون في حمص وكذلك إلى الموارد الطبيعية الأخرى مثل قشور الفستق لتوليد الوقود. وقال عودة إنه قبل نشوب الأزمة كنا نبيع تفل الزيتون أو "البيرين" إلى معامل الصابون في عفرين بريف حلب، حيث يتم استخراج زيت لصناعة الصابون وخلال الحرب انقطعت الطرق ولم نعد لدينا القدرة على بيع "البيرين" لمعامل الصابون، لذلك أصبح لدينا كميات كبيرة من البيرين تم تخزينها لأكثر من موسم بسبب عدم تصريفها، ففكرنا بتصنيع كرات اسطوانية منه عبر كبسها بضاغط لتتحول إلى وقود للتدفئة لاحقا كبديل للحطب. وتابع يقول إن "البيرين صار الأكثر شيوعا بين الناس بسبب توفره وأسعاره المعقولة وكذلك الحرارة التي يمكن أن ينشرها سواء في المنازل أو حتى في المصانع "، مشيرا إلى أن نقص الوقود المنزلي وارتفاع أسعاره ساهم بتوجه الناس نحو "البيرين". وأضاف عودة الآن بما أن السوريين وجدوا طرقا لتصنيع الوقود بشكل طبيعي ورخيص وأكثر ملائمة للبيئة، فمن الصعب التخلي عن هذه المواد مستقبلا، مشيرا إلى أنه تمكن من تصنيع آلة تقوم بتحويل تفل الزيتون إلى أشكال اسطوانية مفرغة من الداخل وإنتاج كميات كافية منها للناس لاستخدامها كوقود للتدفئة. وأشار إلى أنه بعد أن جرب السوريون "البيرين" للتدفئة، لن يتخلوا عنه ، خاصة أنه أرخص بنسبة 50 % عن المازوت، مبينا أن قطعتين من البيرين المجفف تولدان حرارة توازي ما يتم توليده بواسطة استخدام لتر واحد من المازوت. وأضاف حتى لو تم توفير وقود الديزل، فسيكون بالتأكيد بسعر عالمي ولن يكون متاحا بشكل مجاني، وهذا السعر العالمي سيكون باهظا بالنسبة لنا مقارنة بمعيشتنا في سوريا، لذلك سنضطر إلى اللجوء لبديل يكون متاحا وبأسعار معقولة، مثل تفل الزيتون أو حتى اللجوء إلى الحطب أو قشر اللوز أو الفستق الحلبي. وقال عودة إن عملية تصنيع الوقود من تفل الزيتون خلق العديد من فرص العمل للرجال في القرية، وبنفس الوقت تمكنا من تصريف هذه الكمية المتراكمة من تفل الزيتون. وتحدث عودة أنه يفكر في المستقبل بتصميم آلة تقوم بتحويل مخلفات الخشب والأوراق الخضراء وضغطها بقوالب تستخدم في التدفئة، كبديل إضافي ومتاح للناس. ومن جانبه، قال فراس وهو مواطن سوري استخدم البيرين كوقود للتدفئة، لوكالة أنباء (شينخوا) إن " البيرين وقود جيد للتدفئة، ومتاح بسعر مناسب لنا". وأشار فراس البالغ من العمر (45 عاما) إلى أن المنطقة التي يسكن بها الجو فيها شديد البرودة في الشتاء ويحتاج إلى كمية كبيرة من المازوت للتدفئة، مؤكدا أن البيرين كان البديل الأنسب له لتوفره أولا ورخص سعره ثانيا. في يوليو الماضي، رفعت الحكومة السورية سعر الوقود المدعوم بنسبة 177.7٪، وبحسب البيان الرسمي، فإن الزيادة في أسعار المحروقات نجمت عن ارتفاع أسعار الوقود عالميا، إضافة إلى العقوبات الغربية المفروضة على سوريا. وتحمل الحكومة السورية مشكلة ارتفاع أسعار الوقود وحوامل الطاقة على العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب التي تفرضها على سوريا، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على حياة السوريين.
مشاركة :