ضعيف أنا امام هذه السيرة، فهي جزء مني وأنا جزء منها، هكذا قلت للعزيز مهند سليمان النعيمي وهو يهديني كتابه «عندما تكلم الحديد». والحديد هو الراديو، والمقصود هي إذاعة البحرين في مسيرتين أو سيرتين، في الأولى هي الأقدم (1940) عندما نطقت في ظروف حرب عالمية طاحنة اصابت البحرين شظايا في القنابل التي أُلقيت عليها لكنها أخطأت أهدافها «مصفاة النفط» وتأثرت البلاد ككل بلاد العالم اقتصاديًا واجتماعيًا، فكان لا بد من اذاعة تنقل الاخبار العالمية والمحلية في ظروف استثنائية، لذلك سميت شعبيًا بإذاعة الحرب. لكنها لم تقتصر على ذلك فقط كما يذكر لنا مهند سليمان في كتابه الممتع فقد تخللتها أغانٍ شعبية كانت حفلاتها تذاع على الهواء مباشرةً، وكما يلاحظ الصديق مهند هي بهذا تعتبر أول اذاعة في المنطقة تبث على الهواء مباشرةً برامجها واحاديثها وحفلاتها الغنائية ايضًا. ينقل من مصادر مكتوبة سطورًا عن الرعيل الأول الذي عمل واشرف ونشط ايضًا في تلك المرحلة «اذاعة 1940م»، منهم المرحومان سالم العريض ومحمد دويغر، وابراهيم كانو والشاعر المرحوم ابراهيم العريض، وكانت إدارة تلك الاذاعة تتبع دائرة العلاقات العامة البريطانية التي تتبع السفارة البريطانية في القاهرة بحسب جاسم الكظماوي الذي كان يشغل وقتها منصب المدير الإداري لدائرة العلاقات العامة. أول مدير للاذاعة حسب كتاب «عندما تكلم الحديد» هو العراقي جورج طلبية الذي تم اختياره وهو في العراق. وطرائف تلك الاذاعة المتواضعة كما يلتقطها مهند سليمان ويسجلها في كتابه ان اصوات المارة من البشر وحتى من الحيوانات «اعزكم الله» كانت تختلط مع اصوات المذيعين وهم يقرؤون نشرات الاخبار أو يقدمون تقارير الحرب وكذلك كانت تتداخل مع أصوات المطربين الذين يحيون حفلاتهم على الهواء في تلك الاذاعة. يسمونها ايضًا «اذاعة النيل» اختصارًا لمبنى التليغراف في الحورة التي كانت تذيع بالقرب منه من مبنى متواضع جدًا، وينشر مهند في كتابه صورة لبقايا ذلك المبنى. ومن الطبيعي ان مياه امطار اربعينات القرن الماضي كانت تتسرب إليها خريرًا يعطل اجهزتها البسيطة المتواضعة، فيتوقف البث حتى يتم اصلاح الاضرار، وفي المقابل كان جمهور المستمعين يتذمرون بشدة خصوصًا ان وقت بثها لم يكن يتجاوز في البداية النصف ساعة فقط، ثم تم تدريجيًا زيادة البث بناءً على رغبة الجمهور. نجحت تلك الاذاعة في أهدافها كإذاعةٍ انشأها الحلفاء «بريطانيا» في نقل اخبار وتوجهات الحلفاء، كما نجحت جماهيريًا كونها اداة تثقيف وتسلية استقطبت بما تذيعه من برامج منوعة واحاديث صحية وعن المرأة والطفل قطاعًا عريضًا من جمهور فترة وحقبة زمنية لم يكن لها منافس كالتلفزيون والسوشال ميديا ودور السينما وغيرها. ثم يعرج بنا مهند سليمان النعيمي في كتابه «عندما تكلم الحديد» فيفرد صفحات اكثر للحديث عن سيرة انشاء وافتتاح اذاعة البحرين الحالية منذ العام 1955 في عهد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة طيب الله ثراه، متابعًا تطورات الاذاعة ونقلاتها حتى اليوم. شكرًا عزيزنا مهند، فقد نشطت ذاكرتنا المخضرمة.
مشاركة :