أيها الـ «غزال» .. من رآك؟

  • 12/3/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ركض المسؤولون عن التخطيط الاقتصادي في العالم العربي، والاقتصاديون العرب منذ منتصف القرن الماضي وراء النماذج الاقتصادية من اليسار إلى اليمين في استنساخ للتجربة واستهلاك للنظريات والمقولات والآليات والمصطلحات بهدف صناعة التنمية، ومع ذلك بقيت التنمية في أحسن حالتها مستنزفة في الخدمات والاستهلاك .. عاجزة عن خلق قاعدة إنتاجية .. فلا الاقتصاد الحر ولا الاقتصاد الموجه ولا الاقتصاد المختلط عبر بنا برزخ الإنتاج. هناك من يحيل العلة إلى القرار السياسي .. ومع أن هذا له دوره في المسألة، إلا أن السبب الواحد قد مات .. حتى قبل أن يعلن هربرت ماركوز موته في الإنسان ذو البعد الواحد، ولذا علينا أن نفتش عن سبب أو أسباب أخرى طالما أن استنساخ تلك التجارب وحتى آخر افتتان بالاقتصادات الناشئة - بعد تراجع سحر مثال النمور الآسيوية - لم يسفر كله عن تحول نوعي عميق في بنية التنمية في اتجاه الإنتاج عندنا رغم ما حققته تلك التجارب من تقدم في بلدانها .. ما يعني أن معضلة جوهرية جعلت تنميتنا عاجزة عن كسر أغلال الحالة الاستهلاكية وتحويل مقولاتها من استراتيجيات وأهداف وسياسات عن الإنتاجية إلى واقع. لعل إهمال دراسة طبيعة المكون الاجتماعي من بين أبرز الأسباب التي أسهمت في عجز التنمية عن أن تكون إنتاجية .. يؤكد ذلك - على نحو لافت - الغياب السافر في الثقافة العربية لدراسات أنثروبولوجية للعناصر المكونة للشخصية الاجتماعية العربية، فعدا دراسات قديمة نادرة مثل كتابات الدكتور علي الوردي عن الشخصية العراقية يتعذر العثور على هذا النمط من الدراسات .. ومع أن هناك الآلاف من العقول الأكاديمية المسلحة بمعارف ومناهج حديثة، إلا أن هذا الحقل بقي شاغرا تقريبا. من قرأ تراث الغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وحتى اليوم سيجد كيف أن المعمار النظري للاقتصاد هناك نهض على غوص ميداني في ميكانيزمات الحراك الاجتماعي بفعله ورد فعله .. وبالتالي حين سحبت النظريات للتطبيق على أرض الواقع أحدثت ثورة عارمة في بنية الإنتاج، وإن أسفر التطبيق عن بروز إشكالات سلبية فما ذاك إلا لقصور بشري مفهوم يتكفل به إعادة تقويم المسار بين حين وآخر. إن مهمة إنجاز البنية الإنتاجية يفترض أنها في الأساس مسؤولية من هم في موقع صناعة القرار الاقتصادي من مسؤولين وإخصائيين، فعليهم تقع مسؤولية إعداد خططهم بناء على دراسة طبيعة كينونة مجتمعاتهم ومقدرات بلدانهم وعدم الارتهان فقط إلى استهلاك ما هو مطروح من أدبيات الاقتصاد وتطبيقاته في العالم فقط .. إذ لا بد من الانطلاق من القراءة الواعية لخصائص الشخصية الاجتماعية وبنيتها النفسية، ما يحركها أو ما يثبطها، ما يدفعها للعمل والإبداع أو ما يسحبها منهما، إلى جانب استبصار المميزات النسبية لجغرافيا الوطن وثرواته. إن التخطيط للتنمية في بلادنا بدأ منذ عام 1970 وقبله كانت اللجنة الفنية .. مع ذلك لن تجد دراسة أو بحثا معتبراً واحدا لا قبل هذا التاريخ ولا بعده، اقتحم فيه اقتصادي سعودي أو إخصائي اجتماعي أو نفسي هذا الحقل المرجعي الأساسي، وإذا كان الأكاديميون المستقلون يتهيبون الإقدام على بحث مضنٍ وصعب كهذا، فلماذا لم تبادر الجهات المعنية بالتخطيط الاقتصادي أو الجامعات أو مراكز البحوث بتكوين ورش بحث ودراسة للغوص في تركيبة البنية الاجتماعية الوطنية؟ لتستخلص قوى الدفع فينا فنستثمرها وندرك العلل فنصلحها. إن الحديث المتواتر عن تدني الإنتاجية عدا كونه يحفر ندوبا للتثبيط ويكرس الاستسلام، فإنه أيضا يفاقم جلد الذات الوطنية التي هي في حاجة إلى استنهاض سيكولوجيتها بالثقة .. بعيدا عن هالة التفخيم أو البخس، حتى لا يظل هذا العزف المعيب عن تنويع القاعدة الإنتاجية ورفع كفاءتها وجودتها مستمرا، ولا يبقى هذا الطنين الممل عن المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات التنمية، ثم ينتهي بنا الحال إلى سيارة غزال جامعة الملك سعود بكل ما ترمز إليه هذه السيارة من دلالة أنثروبولوجية سالبة!

مشاركة :