ذكرنا في المقال السابق، أن النوخذة أحمد بن محمد بورويجح (الرويح) في عام 1922م كان متجهاً بسفينته من نوع البلم إلى المخراق، وهي منطقة تقع على شط العرب في قضاء الفاو التابع للعراق. وقد شاهد النوخذة بورويجح سفينة أخرى مع بداية الليل، وفيها رجلان طلبا منه المساعدة في جر سفينتهما، بسبب التعب الشديد الذي لحق بهما. وبنية حسنة، وافق النوخذة الكويتي، لكنه بعد أن اقترب من السفينة الأخرى فوجئ بما لم يكن في حسبانه. تقول وثيقة الشيخ أحمد الجابر المحفوظة في الأرشيف البريطاني، والتي يعود تاريخها إلى عام 1922م، إن الرجلين اللذين كانا في البلم العشّاري قالا للنوخذة بورويجح: "من إحسانكم اقلصونا، حيث عجزنا من الجر، وما كان يظهر لهم أن في البلم رجال سوى نفرين واحد بالسدر (مقدمة البلم) والثاني بالتفر (مؤخرة البلم) فأجابوهم وعطوهم قلص، فلما قربو من البوم ثارو من خِن البلم (أي الجزء السفلي) أحد عشر نفر مسلحين وركبو بالبوم ومسكو النوخذة وهددوه بالقتل". وبعد التهديد بالقتل، لم يجد النوخذة بورويجح بُداً من الخضوع والامتثال لأوامر القراصنة المجرمين، خصوصاً أن معه على ظهر سفينته بحارة لهم زوجات وأطفال يعيلونهم وينتظرونهم في الكويت. لذلك، وتحت المعاملة المهينة والقاسية، اضطر النوخذة إلى تسليمهم ما لديه من أموال نقدية ومواد تجارية موجودة على ظهر السفينة. تقول الوثيقة: "فلما قربو من البوم ثارو من خن البلم أحد عشر نفر مسلحين وركبو بالبوم ومسكو النوخذة وهددوه بالقتل، فلما ضيقوا عليه أقر لهم بالذي عنده من دراهم اربعماية وثمانين روبية وأخذوها مع جميع ما في البوم موجب ما هو مدروج بالورقة التي بطيه، وقالو له اذا يظهر منك خبر في ذلك ترى نقتلك دربك نعرفه". وبعد أن غادر القراصنة، احتار النوخذة بورويجح فيما يفعل في ظل تهديدهم له بالقتل وأنهم يعرفون مكانه، لذلك قرر عدم تقديم بلاغ وشكوى حول ما حصل لأقرب مركز أمني في العراق، حيث إن الواقعة حدثت في المياه العراقية. وعندما عاد إلى الكويت، قدَّم بلاغاً إلى الشيخ أحمد الجابر الصباح، الذي قام بدوره بإبلاغ الوكيل السياسي البريطاني بالكويت في الوثيقة التي أمامنا، والتي نقرأ فيها ونستمد منها معلوماتنا. يقول الشيخ أحمد الجابر في رسالته: "وقالو له (أي أخبر القراصنة نوخذة السفينة) إذا يظهر منك خبر في ذلك ترى نقتلك دربك نعرفه، فلهذا النوخذة خاف وما أخبر حكومة المحلية بالفاو لكي تجري التفتيشات اللازمة على ذلك، وقد عمل قصور في ابلاغ حكومة المحلية بالفاو بأسباب مخافة وقلة معرفة". وواضح من كلام الشيخ أحمد أنه غير راضٍ عن موقف النوخذة بورويجح بعدم إبلاغ السُّلطات العراقية وتسجيل بلاغ بذلك، لكنه أيضاً أبدى تفهماً من أن تهديد القراصنة كان حقيقياً، ولابد من التعامل معه بجدية وواقعية. في المقال المقبل نكمل ما لدينا من تفاصيل عن هذا الحادث الأليم.
مشاركة :