أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء أمس بمدينة العيون، كبرى مدن الصحراء، إشارة إطلاق استراتيجية تنفيذ النموذج التنموي الجديد لمنطقة الصحراء، التي تعد رؤية تنموية مندمجة قائمة على تحليل للوضعية الفعلية لهذه الأقاليم. وقالت مصادر مطلعة في العيون، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا النموذج، الذي يتزامن إطلاقه مع الاحتفال بالذكرى الأربعين لتنظيم المسيرة الخضراء واسترجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني، سيمكن من وضع القواعد المؤسسة لسياسة مندمجة، تحفز تعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي وحلقة وصل بين المغرب وامتداده الأفريقي، هذا إلى جانب كونها تعد لبنة أساسية لإعداد المنطقة للحكم الذاتي الموسع الذي قدمته الرباط منذ عام 2006. وقال وزير الداخلية المغربي محمد حصاد، في كلمة ألقاها أمام الملك محمد السادس، إن هذا النموذج التنموي الجديد «يأتي كآلية مهمة لتسريع الجهوية المتقدمة، تماشيا مع الدستور الجديد للمملكة المغربية، وهو ما سيستوجب ضرورة العمل، كباقي جهات المملكة، على الالتزام بمبادئ الحكامة المسؤولة تكريسا للثقة وترسيخا للديمقراطية عبر مقاربة تعاقدية بين الدولة والجهات تقتضي مصاحبة ومواكبة دقيقة للوكالات الجهوية لضمان حسن تنفيذ المشاريع». وشدد وزير الداخلية المغربي على أنه «سيتم إعطاء رؤية واضحة حول الموارد التي ستتم تعبئتها لصالح مجالس الجهات الثلاث، مسجلا في هذا الصدد أنه ستتم تعبئة 7 مليارات درهم (707 ملايين دولار) لجهة العيون الساقية الحمراء و6.6 مليار درهم (667 مليون دولار) لجهة الداخلة - واد الذهب و5.5 مليار درهم (667 مليون دولار) لجهة كلميم - واد نون. وقال حصاد إنه تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس فإنه سيتم إحداث صندوق جهوي لإعطاء دفعة قوية للجانب الاقتصادي وجعله رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بمصادر تمويلية مبتكرة. من جهته، أعلن وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، عن تخصيص 77 مليار درهم (7.78 مليار دولار)، لتمويل المشاريع التي يتضمنها النموذج الجديد للتنمية بأقاليم الصحراء. وقال إن من شأن تفعيل هذه الرؤية الطموحة المساهمة في مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وخلق 120 ألف فرصة شغل، وهو ما من شأنه الرقي بهذه الأقاليم حتى تضطلع بدورها كاملا كجسر جهوي وقطب اقتصادي أفريقي وحلقة وصل مع أوروبا. وأوضح بوسعيد أن النموذج التنموي الجديد يستند إلى ركائز رئيسية، تتمثل في إحداث أقطاب تنافسية قادرة على خلق دينامية جديدة للنمو، وخلق فرص الشغل الكافية خاصة بالنسبة للشباب والنساء، وتعزيز التنمية المندمجة وتثمين البعد الثقافي بالاستناد إلى الحكامة المسؤولة في إطار الجهوية المتقدمة، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان لتعزيز الثقة وترسيخ الديمقراطية، وضمان التنمية المستدامة وتحسين شبكات الربط بين الأقاليم الجنوبية الصحراوية وباقي ربوع المملكة من جهة، والدول الأفريقية جنوب الصحراء، من جهة أخرى. وأشار إلى أن البعد الاقتصادي للنموذج التنموي الجديد يهدف إلى إعادة هيكلة محركات النمو والتنمية وفق برنامج لدعم القطاعات الإنتاجية (الفوسفات والفلاحة والصيد البحري والسياحة البيئية). أما مشاريع التثمين الفلاحي فتهدف إلى تحسن الظروف المعيشية للسكان من خلال خلق فرص الشغل (11 ألف فرصة عمل) وتنويع مصادر الدخل والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وذلك من خلال التثمين الفلاحي لمنطقة الداخلة باستثمار يقدر بـ1.3 مليار درهم (131.3 مليون دولار) على خمسة آلاف هكتار عبر تحلية مياه البحر بغية المحافظة على الفرشة المائية للأجيال المقبلة، فيما سيتم على مستوى إقليم بوجدور استثمار 465 مليون درهم (47 مليون دولار) لتهيئة 100 هكتار. وفي إطار تطوير الفلاحة التضامنية بالأقاليم الصحراوية، قال بوسعيد أنه سيتم إنجاز 50 مشروعا بـ1.5 مليار درهم (152 مليون دولار) سيستفيد منه 16 ألفا و800 مستفيد. أما بالنسبة لقطاع تثمين منتجات الصيد البحري وتربية الأحياء المائية فسيتم إنجاز مشاريع كبرى على صعيد جهة الداخلة - واد الذهب، ستمكن من خلق 8 آلاف فرصة عمل عبر مشروعين رئيسيين يتعلقان بتثمين المنتجات البحرية (1.2 مليار درهم/ 121.2 مليون دولار)، وتطوير قطاع تربية الأحياء المائية في ثلاث مناطق جغرافية (3.7 مليار درهم/ 373 مليون دولار). وفي مجال السياحة البيئية، أكد بوسعيد أنه سيتم إحداث قطب سياحي جديد وتقديم عرض سياحي مبتكر، يجمع ما بين البحر والصحراء والثقافة والبعد البيئي، مع تطوير عرض تكميلي مرافق حول الثقافة والبيئة والمنتجات المحلية. ويهم البرنامج السياحي، يضيف بوسعيد، إحداث 84 مشروعا سياحيا باستثمار يبلغ 2.1 مليار درهم (212 مليون دولار). أما على مستوى البعد الاجتماعي فيهدف البرنامج إلى تحقيق نقلة نوعية في مجال التأهيل البشري وتعزيز البعد الثقافي بما يضمن للمواطن الإنصاف وتكافؤ الفرص في الاستفادة من ثمرات الثروات المحلية ومن فرص الشغل والتجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية ذات الجودة العالية. وفي هذا السياق، قال بوسعيد إنه سيتم تفعيل برامج أقطاب التميز من خلال إنشاء المركز الاستشفائي الجامعي للعيون باستثمار يقدر بـ1.2 مليار درهم (21.2 مليون دولار)، بغية تحسين ولوج المواطنين إلى الخدمات الصحية ذات الجودة العالية وتعزيز فرص المنطقة في الانفتاح على أفريقيا جنوب الصحراء، وإنشاء مشروع «تكنوبول» بمنطقة فم الواد بملياري درهم (202 مليار دولار) باعتباره قطبا للتكوين والتطوير والابتكار التكنولوجي والثقافي. وبخصوص البعد البيئي، شدد بوسعيد على أنه تم تحديد ثلاثة محاور للتنمية المستدامة والمحافظة على النظم البيئية الهشة من خلال المحافظة على الثروات البحرية والموارد المائية وتنمية الطاقات المتجددة والمحافظة على النظم الايكولوجية. وتابع أن إنجاز سد علي واد نون بإقليم كلميم سيمكن من تدارك النقص في التزود بالماء الشروب، وسيسمح بتعبئة المياه اللازمة لسقي الأراضي الفلاحية بسافلة السد، وسيسهم في حماية المنطقة من الفيضانات. في السياق نفسه، قال الوزير بوسعيد إن النموذج التنموي يولي أهمية كبرى لتحسين الربط المجالي للإقليم الجنوبي (الصحراء) سواء مع باقي الأقاليم أو بقية العالم، حتى تتمكن من الاستفادة من جميع الفرص التي يتيحها الموقع الجيوستراتيجي للمملكة. ولتحقيق ذلك ستجري تقوية توسيع تغطية الهاتف الجوال من الجيل الثاني والثالث والرابع، باستثمار مالي يبلغ مليار درهم (101 مليون دولار)، حيث يقوم المشروع على إنجاز روابط جديدة للألياف البصرية والتحديث المستمر للشبكات. وفضلا عن ذلك، يقول الوزير بوسعيد إنه سيتم إنجاز الطريق الأطلسي السريع تيزنيت - العيون - الداخلة، بهدف تحقيق ربط مجالي أفضل للأقاليم الجنوبية بما يضمن تعزيز التجارة مع الشمال وتطوير وسائل النقل وتحسين السلامة الطرقية، حيث سينفذ هذا المشروع في مرحلة أولى باستثمار مالي أولي يقدر بـ8.5 مليار درهم (859 مليون دولار). كما سيتم إنجاز ميناء الداخلة الأطلسي على الواجهة الأطلسية بـ6 مليارات درهم (606 ملايين دولار). وجرى خلال المناسبة أيضا التوقيع على خمس اتفاقيات تحت رئاسة الملك محمد السادس. وتتعلق الاتفاقية الأولى بالتزامات الدولة المرتبطة بالدعم المالي لجهة العيون - الساقية الحمراء. وتتعلق الاتفاقية الثانية بالتزامات الدولة المرتبطة بالدعم المالي لجهة الداخلة - واد الذهب. أما الاتفاقية الثالثة فتتعلق بالتزامات الدولة المرتبطة بالدعم المالي لجهة كلميم - واد نون. وتتعلق الاتفاقية الرابعة بالعقد البرنامج مع جهة العيون - الساقية الحمراء. أما الاتفاقية الخامسة فتتعلق بمشروع الطريق السريع أغادير - العيون، وتوسيع وتقوية مقطع العيون الداخلة على الطريق الوطني رقم 1.
مشاركة :