في وقت لا يزال فيه العراق ساحة للكثير من الجدل السياسي والقانوني الناجم عن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في أراضيه، تتواصل المشاورات في الكواليس بين الكثير من القوى الفاعلة هناك، لتحديد ملامح الحكومة المقبلة، التي أعرب مجلس الأمن الدولي قبل أيام، عن أمله في أن تلبي طموحات العراقيين الراغبين، في أن يشهد وطنهم إصلاحات شاملة طال انتظارها. لكن تلبية هذه الآمال، لا يمثل التحدي الوحيد الذي يُنتظر الحكومة المرتقبة في بغداد، في ضوء أنها ستشكل ثمرة لانتخابات مبكرة، أُجريت تحت وطأة احتجاجات غير مسبوقة، خرجت في العراق في أواخر عام 2019، للمطالبة بمواجهة الفساد، وتفكيك المنظومة السياسية القائمة على الطائفية، وتحسين الخدمات المعيشية، ووقف التدخلات الأجنبية. فمن المنتظر أن تواجه هذه الحكومة، حال توافقت القوى السياسية العراقية الرئيسة في نهاية المطاف على تشكيلها، مجموعة متشابكة من التحديات الداخلية والخارجية، وعلى رأسها عمليات إعادة الإعمار المتعثرة منذ سنوات، والتي أُنْفِقَ عليها أكثر من 220 مليار دولار، في الفترة ما بين عاميْ 2003 و2014، قبل أن تتوقف تقريباً مع اجتياح تنظيم «داعش» الإرهابي، لمناطق واسعة من البلاد، منتصف العقد الماضي. ورغم التعهدات التي قطعها مانحون دوليون على أنفسهم، في فترة ما بعد دحر «داعش»، بتقديم 30 مليار دولار إضافية، لتمويل إعادة الإعمار، فإن جانباً كبيراً من هذه الأموال، لم يُحوَّل بعد إلى السلطات العراقية، بفعل سوء الإدارة والفساد، الذي شاب عمل الحكومات السابقة في بغداد. ويعني ذلك، حسبما قال محللون تحدثوا لموقع «يوراشيا ريفيو» الإلكتروني، ضرورة أن تلتزم الحكومة العراقية المرتقبة، بقدر أكبر من الشفافية، بهدف اكتساب ثقة الجهات المانحة. وأشار المحللون إلى أن التعامل مع هذه الملفات، يزداد صعوبة في ضوء العجز الذي تعانيه الميزانية العراقية، والذي بلغ في عام 2021 قرابة 19 مليار دولار. ويُعزى ذلك العجز في جانب كبير منه، إلى تراجع أسعار الصادرات النفطية في الأسواق الدولية، في ضوء أن النفط يشكل المورد الرئيس للعائدات الحكومية في العراق. ورجح المحللون أن يكون رئيس الحكومة المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، هو الشخصية الأوفر حظاً لتولي رئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة، بفضل عدم ارتباطه بفصيل أو قوة سياسية بعينها، وفي ضوء أدائه خلال العام الذي تقلد فيه ذلك المنصب، وكذلك المقترحات التي قدمها في تلك الفترة، لإقالة الاقتصاد العراقي من عثرته. غير أن تحقيق تعافٍ اقتصادي، لا يشكل وحده ضماناً لإنهاء الفساد المؤسسي القائم في العراق، ولا يقلل في الوقت نفسه من خطورة التحديات الأمنية، التي يفرضها استمرار وجود الميليشيات الراغبة في مواصلة الهيمنة على السلطة في بغداد، وكذلك التهديد الإرهابي المتمثل في المجموعات المرتبطة بتنظيم «داعش» الدموي.
مشاركة :