في عام 1989 كادت الحرب تندلع بين العراق وتركيا بسبب بناء انقرة لسد اتاتورك الذي كان قد بوشر ببنائه عام 1982 وتم انجازه عام 1992. وقتها هدد الرئيس العراقي صدام حسين تركيا في خطاب متلفز بأنه لن يقف مكتوف الأيدي مقابل بناء هذا السد الذي سيتسبب بحرمان العراق من حقوقه المائية ويؤثر على ثروته المائية والزراعية والحيوانية، وبسبب ما طرأ من تطورات على المشهد العام بالمنطقة واحتلال العراق للكويت وما نتج عن ذلك الاحتلال من عقوبات ضد العراق ربما لكانت تلك الحرب قد وقعت. واليوم يعيش العراق ومعه سوريا أزمة مائية قاتلة بسبب هذا السد وغيره من السدود التى تبنيها تركيا من أجل توفير المياه، فقد قامت تركيا ببناء 500 سد جديد على مدار العشرين عاماً الماضية، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من بناء 90 سدًا آخر خلال الاعوام القليلة القادمة. مع مطلع الألفية شاع مصطلح «حرب المياه العالمية»، حيث أخذت دوائر استخبارية عالمية تتحدث عن ان عام 2030 من المتوقع ان يكون العام المرشح لمثل هذه الحروب وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط. مراكز الأبحاث والدراسات تربط بين التغير المناخي وشح المياه، والتغير المناخي بات ملموساً منذ عقدين من الزمن وتمثل بقلة هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وهو ما نتج عنه تراجع كبير في المساحات الزراعية والرقعة الخضراء. بعض التقارير المتخصصة والتي تستند لخرائط وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» تشير إلى معلومات مرعبة بشأن مستقبل المياه في الشرق الأوسط حيث تشير إلى أن أجزاء كبيرة من منطقة الشرق الأوسط فقدت احتياطات المياه العذبة بسرعة كبيرة وخلال العشرين عاماً الماضية خسرت تركيا وسوريا والعراق وإيران ما يقارب 60% من المياه العذبة إما نتيجة التبخر أو نتاج الضخ من الخزانات الجوفية وهي كميات تعادل كمية المياه الموجودة في البحر الميت ولربما تزيد عنها، والمعلومات التي سجلتها وصورتها وكالة «ناسا» تضع كلاً من نهر دجلة والفرات بمرتبة متقدمة جدا في معدل فقدان المياه العذبة على الأرض بعد الهند، هذا كله يحدث في وقت يزداد فيه الطلب على المياه العذبة الأمر الذي زاد من حدة التنافس والصراع على مياه الشرب ولربما التنافس والخلافات الحاصلة حاليا بين مصر والسودان من جهة واثيوبيا من جهة ثانية بسبب سد النهضة هي واحد من الملفات الساخنة الذي تنذر بمواجهة ساخنة. لم يعد الحديث عن التغير المناخي ومخاطره على البيئة والحياة الإنسانية على سطح الأرض كلاما رومانسيا وشعارات، بل هو ملف ساخن وخطير ويضاهي في خطورته جائحة كورونا إن لم يكن أكثر.. نحن في الأردن نعيش أزمة مياه مزمنة وخطيرة ونعد الأفقر في العالم وبحاجة إلى حلول سريعة وغير مكلفة على الصعيد المادي وأيضا على الصعيد السياسي ومنها ما يتحدث عنه معالي الدكتور منذر حدادين الذي عاد وأكد لي أن الأراضي الأردنية فيها مخزون هائل من المياه في «طبقة الصخر الرملي» والمسألة بحاجة إلى فحوصات للتربة وزيادة البحث والدراسات لاستكشاف المزيد من آبار المياه العذبة التى تجمعت في جوف الأرض على مدى مئات السنين.. باستثناء دولة الاحتلال التي سطت على مياه نهر اليرموك والأردن والليطاني ومياه الضفة الغربية الجوفية فإن الإقليم برمته يعيش مرحلة العطش. (الرأي)
مشاركة :