المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معدّة برنامج (قُصر الكلام) على قناة (إم بي سي) مع المشتغل بالإعلام المصري المسنّ: مفيد فوزي، لم تكن مقابلة موفقة بكل المعايير، لأنها نضحت بالطائفية، وعجّت بالكراهية، ولم تخدم أو تفِد الساحة المصرية التي تحتاج اليوم إلى كثير من الاتزان والتعقل لتجاوز ما تمر به من أحداث جسام وفُرقة غير مسبوقة بين أطياف الشعب المصري وطوائفه وأحزابه. ولعل بداية هذه المقابلة السقيمة دلّت على ما يكنّه مفيد فوزي من أضغان للإسلام والمسلمين عمومًا، ومن يمعن النظر في كل ما قاله يظن أنه كان يُظهر هجمة على الإخوان، في الوقت الذي كان يُبطن هجمة على مسلمي مصر عمومًا، سرعان ما كانت تتبدى في ثنايا عباراته المنتقاة بدهاء ومكر شديدين. فقد بدأ حديثه بالتعريف بنفسه بأنه «مصري قبطي» ثم ليردف بأنه «مواطن من الدرجة الأولى» وربط قبطيته بهذا الشكل بالمواطنة من الدرجة الأولى توحي بأن الطرف الآخر مواطن من الدرجة الثانية. ولتأكيد غايته هذه، أربط مقدمته هذه بما جاء في حديثه تباعًا حين قال إنه مصري قبطي، (ولو كره الكارهون)، فسألته مقدمة البرنامج: ومن هم الكارهون؟ فبادر بالطبع بالقول: الإخوان والمتشددون، إلخ. ثم عادت وسألته إذن أنت مصري قبطي، فماذا عن هؤلاء الكارهين؟ فقال: هم «مسلمون مصريون» ولم يقل: متشددون أو إخوان، ومن يستمع إلى كلامه هذا قد يظن أنه يعني أن ولاءه ومن معه من الأقباط هو لمصر أولًا ثم للمسيحية ثانيًا، بينما ولاء المسلمين هو للإسلام (وقد سماه في البرنامج: الراية السوداء) ثم لمصر، وإن كان نفى ولاء المسلمين لراية مصر تمامًا، ولم يقصر كلامه على الإخوان ولا على المتشددين، ولكن الواقع أنه رمى إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فما يقصده هو أن الأقباط هم «مصريون تنصروا» أما المسلمون منهم «غير مصريين تمصروا» بما يفهم منه أن النصارى سابقون تأريخيًا للمسلمين في مصر الذين دخلوها في فجر الإسلام. بينما السكان الأصليون هم الأقباط. وليست هذه هي المغالطة الوحيدة في هذه المقابلة البغيضة، إذ وردت مغالطة أخرى تقول إن تعداد الأقباط يصل في مصر اليوم إلى خمسة عشر مليونًا، ومعلوم أن نسبة الأقباط لا تتجاوز 10% على أبعد تقدير، فإن كان عددهم كما ذكر يصل إلى خمسة عشر مليونا فمعنى ذلك أن تعداد الشعب المصري اليوم يصل إلى مائة وخمسين مليونًا، وهو رقم غير صحيح، والصحيح هو خمسة وثمانون مليونًا بمعنى أن عدد الأقباط قد يزيد قليلًا عن ثمانية ملايين، وليس مقبولًا أبدًا أن يدعي أن عددهم ضعف العدد الحقيقي. ويبدو أن هذا الرقم هو الذي يحرص بعض الأقباط على الترويج له إعلاميًا في زمن أصبح فيه «العدد في الليمون» كما يقال، بدليل اعتراضهم الأخير على (الكوتة) التي يراد أن توضع في الدستور للأقباط. ونسي مفيد فوزي وأشياعه أن الإسلام أعطى للأقباط حقوقهم كاملة منذ دخول سيدنا عمرو بن العاص فاتحًا لمصر، وقصة القبطي الذي ضربه ابنه فاقتص له منه معروفة. أما ما ذكره مفيد فوزي من قصة حرق الكاتدرائية ليعود ويقول للمذيعة: «القلب مليان يا فلانة» فتدل على أنه كان يقصد إثارة الفتن والنعرات والأحقاد والضغائن لأنه لم يستطع أن يوجّه أصابع الاتهام لأي جهة من مسلمين وغيرهم. وخلاصة القول: إن مصر اليوم ليست في حاجة إلى المزيد من التأجيج للطائفية، ولا الإثارة للفتن فإن فيها ما يكفيها، ولابد من ان نتنبه إلى أن الموقف الحالي من الإخوان في مصر ينبغي ألاّ يتحول إلى هجمة على الإسلام والمسلمين عمومًا، وعلى المصريين منهم خصوصًا، وأننا بحاجة ماسة اليوم إلى الخطاب الإعلامي المتوازن المتعقل، وبالنسبة للأقباط في مصر وأفضّل أن أسميهم (نصارى مصر) يحبذ أن يتحدث باسمهم العقلاء والمعتدلون والمحترمون، وهؤلاء لا يمثلهم مفيد فوزي، ويفضل لو أنه لزم اختصاصه في أخبار المغنين والمغنيات والممثلين والراقصات كما صرح هو نفسه في هذا اللقاء حين سألته المذيعة عما ادعاه من أن عبدالحليم حافظ تزوج من سعاد حسني، فأكد ذلك وقال إن نصف أخبار «الفنانين» عنده. فلا بأس في أن يتحدث بلسان هذه الفئة، وهذه الفئة وحدها، ولا يقحم نفسه في مجال ليس مجاله كي لا يسيء إلى المعتدلين من الأقباط. وكم كنت أتمنى لو أن مقابلة كهذه كانت في قناة أخرى سوى قناتنا المحبوبة (إم. بي. سي) التي تشرفت بأن شاركت فيها في عدة برامج. وأخيرًا: فقُصر الكلام: أن مفيد فوزي ما كان ليجرؤ أن يقول كلامه غير المفيد هذا في أي قناة مصرية. Moraif@kau.edu.sa للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :