من يعتقد أن عقارب الساعة تتقدم إلى الأمام دوماً عليه أن يراجع نفسه كثيراً، بناء على رؤيتَي مؤلف ومخرج مسرحية مسألة وقت، التي أخرجها حسن يوسف، وكتب نصها أحمد الماجد، للمنافسة على جوائز الدورة التاسعة لمهرجان دبي لمسرح الشباب، المقرر توزيع جوائزه اليوم. وقبيل عرض العمل، الذي استضافته خشبة ندوة الثقافة والعلوم، مساء أول من أمس، استضافت خشبة مسرح دبي الشعبي نتاج ورشة مسرحية أشرف عليها الفنان مرعي الحليان، وضمت مجموعة من الشباب المبتدئين، من خلال عمل عنوانه الكنز المفقود، سعى إلى استثمار شكل خيالي لما اصطلح على تسميته مسرحية داخل مسرحية. وسعى الممثلون في العرض المستضاف إلى تطبيق ما تعلموه خلال الورشة التدريبية، عبر رؤية يسعى فيها الجميع للبحث عن الكنز، من خلال ثلاثية التاجر والدليل والأجير، وما ارتبط بذلك من فضح قيم الجشع والخيانة، ليتضح للجميع أن لا ثوابت حقيقية في تلك الحياة. حسن يوسف: مسؤولية أخلاقية قال مخرج عرض مسألة وقت إنه رفض اللجوء إلى ممثلين أكثر دراية وتكراراً على خشبات المهرجان، وفضل الاستعانة بوجوه جديدة، من أجل أن يعيد الكرة ويرد الجميل بشكل عملي لمعلميه. وتابع: عمري 33 عاماً، ومنذ أكثر من 15 سنة كنت بحاجة إلى الفرصة الأولى، وهي فرص حصلتها بالفعل بثقة الفنانين المخضرمين، وبعضهم كان حينها في مثل سني الآن، ولولا هذا الموقف الذي أسعى لاستلهامه، لما أتيحت لي فرصة الارتقاء بأدواتي. وقال يوسف إنه مصرّ على التجريب، والخروج عن النمطية، خصوصاً في عروض هذا المهرجان، مضيفاً: أنا شاب، ومن حقي خوض التجارب الجديدة، قد أخطئ ولا أصيب، لكني متمسك بحقي في عرض تجارب جديدة، من وجهة نظري، وبرؤيتي الخاصة، مادمت في مهرجان عنوانه دبي لمسرح الشباب. وسار الحليان على النهج ذاته الذي اختاره لنفسه، في المرحلة الأخيرة، ليكون باستمرار قريباً من المواهب الشابة، وهو ما يراهن عليه بشكل شخصي، في إطار رغبته الحقيقية في رفد الخشبة بمواهب جديدة. في المقابل شهد عرض مسألة وقت، من إنتاج مسرح دبي الأهلي، حضوراً جماهيرياً جيداً، مقارنة ببعض العروض السابقة، كعادة العروض الشبابية لهذا المسرح العريق، ومن اللحظة الأولى يتضح أننا أمام عمل يرفض النمطية في الطرح، وبدا أن المتلقي مُطالب بأن يكون شريكاً في اتضاح الرؤية من خلال الإلحاح بأن تكون مخيلته مفتوحة دوماً لاستيعاب ما ستقود إليه الأحداث. هذه الفكرة تحيل إليها، خصوصاً وجود كشافات عدة سادت ظلام خشبة المسرح، أكثرها إزعاجا كان من خلف الكواليس، وموجهاً بشكل مباشر إلى الجمهور، لدرجة انه تسبب في إزعاج حقيقي استمر لمنتصف وقت عرض المسرحية تقريباً، إضافة إلى كشافات صغيرة عُلقت أعلى رؤوس المجاميع. مصنع للساعات يشغر بالعمال الذين تبدو عليهم أمارات عدم الرضا، ولجوء إلى الحاملات العملاقة الشبيهة بتلك التي يستخدمها عمال البناء للوقوف عليها، لكن توظيف تلك الحاملات، وآلية حركتها، أحالت بشكل كبير إلى ديكور مسرحية لا تقصص رؤياك التي أخرجها الفنان محمد العامري، وعرضت أثناء مهرجاني أيام الشارقة المسرحية، والمسرح الخليجي بالشارقة. وريثة المصنع، الفتاة التي تقوم بدورها الممثلة ريم الفيصل، تظل تحاول الحفاظ على ما ورثته، واعدة الجميع بإنتاج ساعة نورانية كبرى يتبعونها، وهو الحلم الذي تتم معارضته من قبل أحد المسؤولين في المصنع، حيدر أبوالعباس، الذي أعطاه المخرج لقباً على الكتيب التعريفي مسؤول الانفلات. الشخصيات الأخرى أخذت مسميات مشابهة لبعض أجزاء الساعة، وكأنهم مجرد تروس وعقارب في ساعة كبرى لا يمتلكون قرار مسيرها أو توقفها، حيث تم تلقيب ريم الفيصل بـمسؤول الدقائق، وخليفة الجاسم بـمسؤول التوازن، وجمعة صالح بـمسؤول الضبط، ومحمد دهقاني بـمسؤول الضبط. فوضى عناصر الساعة تخل بالعمل، وتؤدي ثورة مسؤول الانفلات، إلى رغبة الجميع في تغيير الوضع القائم، ليصبح لكل شخص توقيته الخاص، وهو ما يرحب به ويعتبره فوضى خلاقة، وهو التعبير الذي يربط العمل بشكل مباشر بواقع الحال السياسي في كثير من دول المنطقة، خصوصاً في الوطن العربي، لتصبح رؤية العمل أكثر وضوحاً. حركة الجموع، وتوظيفها للحوامل العملاقة، ظلت مقتربة كثيراً من مسرحية لا تقصص رؤياك، لكن توظيف السينوغرافيا، خصوصا الإضاءة، لم يستطع أن ينسجم مع التبدلات النفسية، ولم يكن مبرراً تغيير ألوان الإضاءة إلى ألوان بعينها، خصوصاً البنفسجي، الذي فاقم من مشكلات الرؤية لدى المتلقي. لكن المشكلة الأكبر بالنسبة للمتلقي ظلت في الصوت، خصوصاً في ما يتعلق بمشكلة مخارج الحروف، لاسيما أن هناك مشاهد كان فيها إبداع بالنسبة للشكل الهندسي للإضاءة، الذي اتخذ استدارة ميناء الساعة، ليؤكد عنوان المسرحية أن كل شيء بالنسبة لهذا العالم الدرامي الذي نسجته الشخصيات يظل مسألة وقت. المشهد الأخير جسد خلاصة رؤية العمل، حيث أدت الفوضى الخلاقة، ورياح التغيير التي بشر بها مسؤول الانفلات، إلى دمار لكل شيء في المصنع، الذي هُدم على رؤوس من فيه، من دون أن ينجو أحد من طوفان خرابه. يحيى الحاج: معجب بالضفتين بتعبير خيالي مميز، قال الناقد المسرحي المخضرم، يحيى الحاج: أنا معجب بضفتي العمل، الشرقية (المخرج)، والغربية (المؤلف). وتابع: العمل محرض على التفكير وإثارة الخيال، وهذا إيجابي، وهناك مصادمة أحياناً بين رؤيتي الضفتين، وهذا وارد في الأعمال التي تحمل مضمون تحدي الانفراد بالسلطة، والسلطوية، لكني كنت أتطلع أن يكون النص مشفوعاً بجرعة انفعال زائدة، تواكب الشحن النفسي الذي نجح المخرج في إصابتنا به. ووجه الحاج تحية إلى كامل أسرة العمل، لكنه أخذ على بعض أفراد الطاقم التمثيلي مشكلة مخارج الحروف، وهي المشكلة التي أقرها كل من مخرج العمل حسن يوسف وكاتب نصه أحمد الماجد، الذي يحافظ على وجوده بأعمال مختلفة في هذا المهرجان.
مشاركة :