فوضى خلاقة نهى الصراف يحيل الفوضويون حياة الناس المحيطين بهم أو الذين يشاركونهم مكان العيش، إلى جحيم، جحيم حقيقي؛ حيث تربك الفوضى أسس نظام العيش وتشوش انسيابية المشاهد التي تقع عليها العين، وربما تصل الفوضى إلى الأفكار وتتسبب في مشكلات لا حصر لها بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يدفع بعض الأشخاص ثمن إعادة الأمور إلى نصابها والضحية في الغالب هي الأم. عموما، فإن إحداث فوضى في غرفة النوم أو مكان العمل، لا يعدّ صفة إيجابية يمكن أن يتباهى بها المرء بين الناس، لكنها قد تكون دليلا على أنه يتفوق على الآخرين في مستوى ذكائه! ليس هذا فحسب، بل إن قائمة من العادات المنزلية السيئة التي أوردها باحثون في علم نفس السلوك، تنضمّ إلى المؤشرات الأهم في التحقق من ارتفاع معدلات الذكاء عند بعض هؤلاء الفوضويين. “يزدريك أفراد أسرتك، بسبب ملابسك وحاجياتك المتناثرة في أرجاء الغرفة، والفوضى التي تضرب كل ركن فيها؛ لا تقلق، فأنت قد تفوق الآخرين ذكاء!”، يصرّح أحد الخبراء مشيرا إلى أن وجود المرء في بيئة فوضوية متحررة من روتين النظام يمكن أن تحفزه على إنتاج أفكار جديدة وخلاّقة. هناك مؤشرات فوضوية أخرى، فإذا كان المرء لا يمتلك أدراجا وخزانات معينة لحفظ مقتنياته الشخصية بصورة منظمة، وليست لديه فكرة عن مكان وجود مفاتيح المنزل أو جواز السفر أو البطاقة الشخصية مثلا، فهذه بالتأكيد علامات مخيلة جامحة وذكاء مفرط، وتحديدا إذا كانت المفاتيح مدفونة تحت كومة من الرسائل في مدخل المنزل وجواز السفر مستغرق في غفوته داخل تل من الملابس. هذه الفوضى، بحسب خبراء، هي التي تساعد المرء في تسليط الضوء على أولوياته وتصريف أموره في الوقت المناسب؛ فهو سيضطر مثلا إلى إزاحة الرسائل وتسديد ما فيها من فواتير ليحصل على مفاتيح المنزل، في حين أن تحرير البطاقة الشخصية أو جواز السفر من تحت تلال الملابس يعني أنها بحاجة إلى غسل! كما أن المعاناة أثناء الاستيقاظ من النوم صباحا، مؤشر آخر، خاصة مع الأشخاص الذين يفضلون الاستمتاع بغفوة القيلولة وهي في رأي الحكماء، استجابة واقعية لاحتياجات الجسد، فالشخص الذي يحرص على قيلولته يعدّ فردا خلاّقا في المجتمع، متوقد الفكر ويمتلك سرعة بديهة لافتة. أما الإدمان على ألعاب الكمبيوتر فهو دلالة على مقدرة فائقة على التفكير المنطقي وحل المشكلات، إضافة إلى أن الإصرار على متابعة سلسلة حلقات لا متناهية من برنامج أو مسلسل تلفزيوني مفضل، يعني أن صاحبها يتمتع بمهارات إدراكية وذاكرة اجتماعية مميزة، وليس شخصا كسولا اتكاليا ومملا كما هو متعارف عليه.هكذا يزيّن علماء السلوك الفوضويون الحياة لأمثالهم! ولا أعرف ما هي المقاييس والأسس التي استندوا عليها في تبرير بحثهم هذا، المقاييس التي تناقض الواقع والمحسوس. طبعا، كل فكرة مجنونة تجابه في بداية ظهورها بسيل من الانتقادات من أصحاب النظرة الكلاسيكية الضيقة من أمثالي، على الرغم من أن هذا النوع من الأفكار سرعان ما يثبت وجوده وجدواه، داخل مجتمعات تتغير فيها شخصية الفرد مع تغير الأيام والفصول، ولا تحتاج إلى أسباب وتبريرات لذلك، فتراه ذكيّا في الصباح ومتهورا في المساء، وديعا في الشتاء وغبيّا في الصيف، وهي في كل الحالات صفات عشوائية تتماشى مع عصر التغييرات اللامنطقية الذي نشهده، ونراقب أحداثه بصمت واستسلام. لكن، من يا ترى سيعيد ترتيب كل هذه الفوضى؟ كاتبة عراقية مقيمة في لندن باهر/12
مشاركة :