عندما أوشك الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن يحقق النصر في معركة «صفين» على جيش معاوية، رفع خصومه المصاحف على أسنة الرماح، مطالبين بتحكيم القرآن. أدرك رضي الله عنه أن في الأمر خدعة فقال: «هذا حق أريد به باطل،» لكن أنصاره أصروا، فقبل على مضض. ثم ثبت أنه كان على حق. وإيران وروسيا يستخدمان اليوم نفس الخدعة بدعوتهما إلى مايبدو أنه عدل: هدنة وانتخابات. فمن يرفض وقفا لإطلاق النار في بلد مزقته الحروب؟ ومن لا يقبل بتحكيم الشعب في من يحكمه؟ على أنه «حق أريد به باطل،» و»الشيطان يكمن في التفاصيل». فأمام الروس والفرس ليس هناك خيار سوى بقاء بشار فهو وحده الذي بيده تسليمهم بلاده، فإن رحل مالذي يضمن أن الرئيس القادم لن يطردهم منها. الانتخابات والهدنة هي خيارهم الأول، ولكن إن لم ينجح ذلك، فالخيار الثاني هو أن تأتي الحكومة الانتقالية من نفس الحكومة الطائفية الحالية مع تطعيمها بعناصر مرضي عنها من خارجها. لإقناع العالم بهذه الحلول كان على الدولتين أن تستخدما ترسانتهما من لغة الدبلوماسية، والمعاني المركبة، ولعبة الكلام، والمماطلة لعل وعسى أن يتعب و ييأس العالم فيقبل. فعلى سبيل المثال، عندما يقولون «فترة انتقالية»، فالمقصود هنا سنوات وليس شهورا، تنتهي بنهاية ولاية الأسد عام 2021م. وعندما لا يقبل أحد بالانتظار الطويل، يرفعون شعار «هزيمة الإرهاب أولا». وهو من نوع شعار «استعادة الجولان أولا» الذي قمعوا به مطالبات الشعب بالحرية والتنمية والرخاء خمسة عقود. ويأتي هذا الشعار، رغم أن البلاد فتحت أبوابها لداعش وأخواتها منذ أربع سنوات، ولم تقاتلها حقا، بقدر ما وجهت حرابها نحو شعبها، وأن ما يحكمه النظام لا يزيد عن 14% من البلاد. وهكذا سيجد العالم أن الحل الأول أكثر جاذبية وصلابة! أما بالنسبة للانتخابات التي يقترحونها، فهم يشترطون أن تتم بوجود الأسد وتحت إدارة نفس النظام الذي لم ينتج لنا خلال نصف قرن أكثر من رئيسين، الأب والابن. وتحت إدارة كهذه فاز الرئيس الأب في كل الانتخابات بنسبة لا تقل عن 9.99% ، في منافسة مع نفسه، إذ لم يجرؤ أحد على الوقوف أمامه فكان على الناخب أن يختار بين «نعم» و»نعمين» للرئيس القائد. بعد وفاة حافظ الأسد، جاء ابنه بشار ليس بانتخابات بل بقرار من البرلمان الذي غير الدستور في عشر دقائق، ليسمح بتولي رئيس عمره 34 عاما، أقل بست سنوات من الحد الأدنى، أربعين عاما. وشرح ذلك لنا بأن النواب شعروا بنبض الجماهير دون أن ينطقوه، فلبوه! (ألا يذكرك ذلك بكوريا الشمالية!) وفي السنوات الخمسة عشر التي تلت، هاجر نصف الشعب للبحث عن حياة أفضل، وبقي النصف الآخر في ظروف اقتصادية صعبة، ومع ذلك حقق الرئيس انتصارات ساحقة. وكان الفوز الأخير بعد مقتل ربع مليون، وتهجير 11 مليونا، وتدمير البلد على يد جيشه وحزب الله والحرس الثوري والإرهاب، وتسليم القيادة لإيران ثم روسيا. هذه الحكومة التي يريد منا المعسكر الإيراني الروسي أن نسمح لها بتأليف حكومة وقيادة المرحلة الانتقالية وتنظيم انتخابات، يشارك في المنافسة عليها .. بشار الأسد! الحل الوحيد لمشكلة سوريا هو أن ترحل عنها كل القوى الأجنبية، الروسية والإيرانية ومليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية. أما الإرهاب فالشعب السوري قادر على التعامل معه، بدعم من المجتمع الدولي والإقليمي. مقالات أخرى للكاتب واقع حقوق الإنسان في إيران التعاون السعودي- التركي في مواجهة معسكر الشر إيران: منسك الحج.. والأجندة الساسانية! مجموعة بن لادن.. وإعلام «الرافعة» ضيوفنا السوريون.. والنفاق الدولي
مشاركة :