«ماذا تفعل إذا شككت أن أحد أبنائك على تواصل مع جهة إرهابية؟ وكيف تتأكد؟ هل يكفي أن تظهر عليه علامات التشدد الديني؟ أليست هذه مرحلة مر بها كثير منا وتجاوزناها بسلام؟ وماذا لو فشلت كل محاولات النصح والتفاهم؟ هل تطلب مساعدة كبار الأسرة أو تلجأ لإمام المسجد أو طبيب نفسي أو تربوي؟ وفي حال فشل كل ذلك، هل تبلغ عنه السلطات الأمنية؟»، تسألني نهى مندوره، مذيعة قناة الدانة، في برنامجها صباح جديد. قلت لها بأن هذه الأسئلة الصعبة تواجه كثيراً من الأسر اليوم، وتجد نفسها غير مستعدة للإجابة عليها. فالأم الحنون يصعب عليها أن تصدق أن ابنها البار منحرف، والأب يبحث عن أسباب تبرّر كل ملاحظة والأخ يجد لأخيه العذر. وهكذا فإن المؤشرات المثيرة للقلق سرعان ما تفسر بطريقة خاطئة تستجلب حلولاً غير مجدية. وتزداد المهمة صعوبة مع تكيّف المنظمات الإرهابية وتدريبها لأعضائها على وسائل التخفي. «إذن ما الحل؟»، تتساءل نهى، وأجيب: «الحل في خطة وطنية شاملة يشارك فيها العلماء وخبراء النفس والتربية والاجتماع والاتصال لتفسير حالة الهشاشة الفكرية والنفسية، التعليمية والتربوية التي تسمح بهذا الاختراق المخيف لعقول وقلوب شبابنا، وخصوصاً من المراهقين. وبناءً على ما تتوصل إليه هذه الدراسة نكلّف مختصين بإعداد حملات توعية تشمل مطبوعات ومحاضرات وندوات ومسابقات وأنشطة اجتماعية وتعليمية وتربوية مشوّقة ومتنوّعة تشارك فيها المدارس والجامعات والجمعيات الدينية الثقافية والمجتمعية والأندية الرياضية والمجالس البلدية ووسائل الإعلام. وتهدف إلى توعية الشباب وتوجيههم وإشغالهم بالمفيد وتفريغ طاقاتهم بالأنشطة التي تتناسب وقدراتهم ورغباتهم ومهاراتهم، ومن بينها النشاط الكشفي والمساهمات التطوعية والرحلات السياحية التثقيفية، والمنافسات العلمية والرياضية والإبداعية. وعلى جانب آخر، نوفر للأسر دورات تثقيفية وتدريبية على كيفية التعرّف على حالات الانحراف والتعامل معها، تشبه الدورات التي تقدّم للمتزوجين حديثاً، إضافة إلى خدمات استشارية آمنة وسريعة عبر الهاتف أو المقابلات الشخصية، لتشخيص الحالة وتوجيه الأسر إلى أفضل سبل العلاج، أو التعامل معها مباشرة. وكلما تم ذلك مبكراً، كلما سهل علاجها. فكثيراً ما تكون المشكلة ناتجة عن فراغ أو رفاق سوء أو اهتمام زائد بقضايا سياسية أو دينية، أو تصيّد أصحاب المنهج الخفي في المدارس والجوامع. كما أن غياب التواصل الأسري يسهم في خلق فراغ تملؤه وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشط فيها الجماعات المشبوّهة. وبالتوعية والتوجيه والتدريب لهذه الأسر، يمكن بناء جسور التفاهم والثقة مع الأبناء، بما يسهل كشف محاولات الاختراق والتصدي لها مبكراً. «وماذا لو فشلت كل هذه الحلول؟» تسألني نهى. أجيب: في هذه الحالة على الاستشاري إقناع الأسرة بإبلاغ الجهات الأمنية والتعاون معها للتحفظ على الابن الضال ومناصحته قبل فوات الأوان. وهذا مهما كانت مرارته أفضل من هروبه إلى مناطق الصراع أو إيذائه لنفسه وللآخرين. قال الأمير محمد بن نايف، إن المواطن هو رجل الأمن الأول، وهذا صحيح، فكثير من الخلايا والعمليات تم كشفها والقبض على مطلوبين بتعاون المواطنين. ولكي نؤهل المواطن للتعامل مع أقرب الناس إليه، فيكون عيناً عليه، وسداً يحميه، نحتاج إلى مشروع وطني متكامل على كل المستويات لكشف أسباب المشكلة ولتوفير التوعية والاستشارة والتدريب.
مشاركة :