من أجمل ما قالته هيلين كيلر: «على الرغم من أن العالم مليء بالمعاناة فهو مليء أيضا بالنجاح.. فمن خلال الألم والمعاناة، تقوى الروح، ويلهم الطموح، ويحقق النجاح! النجاح هو الطاقة الروحية التي تشعرنا بأن لدينا قدرة على اجتياز المصاعب والتألق والمرور والتقدم إلى الأمام في مختلف المراحل الحياتية والعلمية والإنسانية، وهي الداعم لكي يستمر المرء في تحقيق أهدافه بنفس المنهج والحصول على ما يريد بشكل أفضل من دون الوقوف عند حائط اليأس أو العثرات. وقصة هذه المرأة إنما تجسد بشكل واقعي تلك الطاقة الهائلة التي تحملها بداخلها والتي أنارت لها طريق الإنجاز حتى الإبداع، وجعلت منها إنسانة ضد الكسر والصدمات، تمتلك إرادة قوية عبرت بها الكثير من التجارب الأليمة والتي كشفت عن معدنها وصلابتها محققة الكثير من النجاحات، فكانت أول بحرينية تحصل على الزمالة المتقدمة من أكاديمية التعليم العالي ببريطانيا وعلى الزمالة العليا من نفس الأكاديمية من بين ثمانية أشخاص بالبحرين و24 في الشرق الأوسط و1400 حول العالم. د. سناء أحمد المنصوري، أول استشارية بحرينية وعربية على مستوى الشرق الأوسط تعمل بأكاديمية التعليم العالي ببريطانيا، أسست أول وحدة للتميز في التعليم ومهارات القيادة بجامعة البحرين، هذا فضلا عن كثير من الإنجازات والعطاءات التي وضعتها في مكانة متألقة في عالم النساء البحرينيات. «أخبار الخليج» حاورتها عن تجربة الكفاح والنجاح والتحدي، وذلك في السطور التالية: *متى بدأت علاقتك بمهنة التدريس؟ - منذ طفولتي وأنا أهتم بشدة بمهنة التدريس بشكل عام، وتجذبني بشدة المواد العلمية، وعند التحاقي بالجامعة قررت دراسة تخصص الهندسة الإلكترونية، الذي يتماشي مع ميولي بشكل كبير، وبالفعل وجدت فيه شغفي، وبعد التخرج التحقت بجامعة البحرين وبدأت عملي بها كمساعد بحث وتدريس في قسم الهندسة الكهربائية، ثم واصلت الدراسة وحصلت على رسالة الماجستير في نفس التخصص ثم على درجة الدكتوراه من أستراليا في ذات المجال. *حدثينا عن تجربتك بأستراليا؟ -تجربتي في أستراليا كانت مليئة بالتحديات، ولعل أهمها اكتشاف مرض طيف التوحد لدي أصغر أبنائي، وفي البداية كانت الصدمة شديدة، ولكني حاولت أن أتعرف على طبيعة المرض، وكيفية التعاطي معه، وقد أنشأنا أنا ووالده مجموعة لأولياء أمور أطفال التوحد هناك، وتبادلنا الخبرات، وتعرفنا على كيفية إدارة سلوك أبنائنا المصابين بالمرض بطرق مختلفة نظريا وعمليا وكيفية التعامل معهم، سواء على صعيد الآباء أو باقي أفراد الأسرة الواحدة، وحاولت ان أتخطي هذه الأزمة بكل قوة، وكان لدعم زوجي دور كبير في ذلك، ثم شاء القدر أن أمر بأزمة صحية شديدة يوم تسلمي رسالة الدكتوراه، ولله الحمد استطعت اجتيازها أيضا بسلام. *ما هو سلاحك لمواجهة التجارب الصعبة؟ - أنا أرى أن التجارب الأليمة والصعبة تمنح أصحابها النضوج المبكر، وتدفعهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم، وإلى عدم التوقف أمام صغائر الأشياء، كما تمدهم بالقوة والقدرة على المواجهة، والأزمات بشكل عام قد تفرق أو تجمع بين أفراد الأسرة، وبالنسبة إلي كانت سببا وراء ترابطنا بدرجة أكبر ولله الحمد، وأقول لأي شخص قد يواجه أزمة أن يعمل على تحويلها إلى قوة وإرادة، وأن يكون على يقين بأن الضربة التي لا تميت صاحبها تقويه، لذلك يجب الاستفادة من أي تجربة صعبة وتطويعها بما يخدم مسيرتنا في الحياة، وأود هنا أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى زوجي والوالد والوالدة لأنهم قدموا لي كل الدعم والمساندة في أحلك الظروف. *ماذا يحتاج أطفال التوحد بالمملكة؟ - أتمنى أن يزيد عدد المدارس الخاصة التي تحتضن هذه الفئة وترعاهم وتقدم لهم كل متطلباتهم واحتياجاتهم، وكذلك المقاعد المخصصة لإدماجهم في المجتمع، لأنهم بالفعل يواجهون صعوبات كبيرة في حياتهم وكذلك أهاليهم، وما أعانني على تجاوز أي صعوبات من خلال تجربتي مع ابني هو انضمامي إلى مدرسة عالية كعضو مجلس إدارة أنا وزوجي، وقد قمنا ببحث الكثير من الأفكار والبرامج فيما بيننا في المجلس، لمساعدة الأهالي على كيفية التعامل مع أبنائهم وتحسين حالاتهم التعليمية والمعنوية، ويمكن القول أن الوعي بهذه الفئة بشكل عام قد ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. *ما أكثر قيمة حرصت على غرسها في نفوس أبنائك؟ - من أكثر القيم التي حاولت غرسها في نفوس أبنائي هي إدراكهم بأنه ليس شرطا أن يكون الشخص متميزا في كل شيء، بل المهم أن يبحث عن شغفه ويكتشفه، ويسعى إلى تحقيق أهدافه وطموحه في المجال الذي اختاره والوصول فيه إلى مرحلة الإبداع، إلى جانب مبدأ آخر مهم وهو تقدير قيمة النعم التي منحها الله إياه وما أكثرها، وأن يتم استغلالها بأفضل أسلوب لصالحه ولصالح المجتمع بأكمله، وهذا ما تعلمته في مدرسة الحياة وعن تجربة شخصية.. *ماذا كان الهدف وراء تأسيسك وحدة التميز في التعليم ومهارات القيادة؟ - لقد كنت أول امرأة تترأس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بكلية الهندسة بجامعة البحرين، وكان لي شرف تأسيس أول وحدة من نوعها بالبحرين للتميز في التعليم ومهارات القيادة، بهدف ضم كل برامج التطوير الأكاديمي تحت مظلة واحدة، وتوسيع دائرة الخدمات المقدمة، وتحقيق التنويع والشمولية في هذا المجال، وهي موجهة تحديدا إلى أعضاء هيئة التدريس، وقد ربطنا التقييم السنوي للمدرسين بالتطوير المهني المستمر في مجال التدريس. *وكيف كان الانطباع عن أداء الوحدة؟ - في تقييم للوحدة من هيئة ضمان الجودة تم حصولنا على نتائج طيبة وتوصيات إيجابية للغاية مثلت بالنسبة إلينا دافعا قويا لمواصلة المسيرة بنفس النهج والأسلوب، للوصول إلى هدفنا من أجل التطوير الأكاديمي المستمر في قسم الهندسة الكهربائية، وذلك على اعتبار أن الجودة ليست هدفا بل وسيلة للتطوير، وهذا هو مبدأنا الذي نسير عليه لتحسين مخرجات التعليم بشكل عام، وبالطبع كل ذلك يتم من خلال فريق عمل متكامل. *ما برامج التطوير الأكاديمي التي قمت بتأسيسها بالجامعة؟ - لقد حرصت على تطوير البرامج والورش لتعزيز التنوع والشمولية، وعلى الحصول على دعم من مؤسسة تمكين لبرامج الوحدة، وعلى إدخال التطوير المهني المستمر في التقويم السنوي للأكاديميين، إلى جانب تطوير برنامج القيادة الأكاديمية في الجامعة وبرنامج الزيارات التبادلية بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، فضلا عن الحصول على الشراكة الدولية من أكاديمية التعليم العالي وتطوير البرامج باللغة العربية. *بماذا تتميز وتتفرد تجربتك العلمية؟ - يشرفني بشدة أن أكون من بين ثمانية أشخاص في البحرين، وألف وأربعمائة شخص حول العالم الذين حصلوا على الزمالة العليا من أكاديمية التعليم العالي من بريطانيا، والتي تعنى بتطوير التدريس في مجال التعليم العالي بالتعاون مع عدد من الجامعات في مختلف دول العالم، كما كنت أول بحرينية تحصل على الزمالة المتقدمة من نفس الأكاديمية وأول استشارية عربية في الشرق الأوسط تعمل معها، وقد جاء اختياري بناء على شهاداتي العلمية وخبراتي في مجال تطوير البرامج الأكاديمية بجامعة البحرين، ونظير جميع مساهماتي في هذا المجال بشكل عام واستراتيجية العمل التي وضعناها كي تتماشى مع رؤية 2030. هذا فضلا عن كوني أول بحرينية تتخصص في الهندسة الكهربائية وتتخرج في جامعة (آر أم آي تي) بمالبرن بأستراليا. *الفرق بين الزمالة المتقدمة والعليا؟ - الزمالة المتقدمة (تقديم سجل مستدام يثبت فاعلية ممارساتهم الأكاديمية في التنسيق والدعم والإشراف والإدارة والتوجيه)، أما الزمالة العليا (تقديم سجل متكامل وعلى مستوى استراتيجي لتبيان تأثيرهم المتواصل والفعال في توفير تعلم عالي الجودة. *مشروعك الحالي؟ - حاليا أركز على تطوير برامج وحدة التميز في التعليم ومهارات القيادة بجامعة البحرين، وذلك بالتعاون مع أكاديمية التعليم العالي ببريطانيا للنهوض بالكوادر التعليمية، وتعزيز التدريس، والتعلم، وتطوير القيادة، وتحسين التعليم العالي ومعالجة التفاوتات المنهجية، وأتمني أن أستمر في هذا التوجه، فالمعلم حاليا يحتاج إلى تطوير قدراته ومهاراته وطرق تدريسه، وخاصة فيما يتعلق بالتعلم الرقمي، وهو ما نركز عليه بالتعاون مع جامعات المنطقة بشكل عام، والأهم هو العمل على إشراك الطالب في العملية التعليمية، وهو توجه عالمي لمسته من قرب في بريطانيا، حيث يعتبر الطالب هناك مركز العملية التعليمية بشكل عام. *رؤيتك التعليمية المستقبلية؟ - رؤيتي التعليمية المستقبلية هي تحقيق أنظمة تعليم عال شاملة، ومستدامة، وعالية الأداء، وذلك بهدف النهوض بالتعليم، لتلبية الاحتياجات المتطورة للطلاب وللمجتمع، بمعني آخر دعم قطاع التعليم العالي عامة.
مشاركة :