هي إمراة من طراز خاص، منحتها تجارب الحياة الأليمة القوة والإصرار، فأبت إلا أن تنتصر في معركة البقاء، وتحقيق طموحها، فكثيرا ما اعترضتها منحنيات في الطريق، لكنها استطاعت استيعابها، والتغلب عليها، والتعامل معها بواقعية، وبعدم النظر إلى الخلف، حتى حققت التميز والإبداع في مجالها، وتركت لها بصمة خاصة في عالم النساء المتألقات. المهندسة والمحكمة شهربان أحمد شريف، حاصلة على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة أركنساس بأمريكا، صاحبة أول مكتب رأي هندسي مرخص، مبدأها في الحياة هو عيشها بإنسانية بعيدا عن البغض أو الكراهية أو الانتقام، والعيش بسلام داخلي، قررت أن تخطو خطوة جريئة، فخاطرت بالوظيفة من أجل مشروعها الخاص، وأسست مركز الهندسة الخاص بها، والذي تحول مؤخرا إلى «مكتب رأي» كأول مشروع من نوعه، تمارس من خلاله مهمة التحكيم في القضايا الهندسية وبكل براعة. لقد أصبحت ممثلة لجمعية المهندسين البحرينية في اللجنة الوطنية للمواصفات والمقاييس بحسب قرار صاحب السمو الملكي الأمير الراحل خليفة بن سلمان آل خليفة، وكذلك في هيئة التحكيم لجائزة الأمير الراحل للعمل البلدي لعام 2006-2008. كما حازت على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مشوارها المهني المليء بالإنجازات والابداعات. حول هذه التجربة كان الحوار التالي: *حدثينا عن نشأتك؟ - أنا نشأت في عائلة تضم خمسة أفراد وترتيبي الثانية بين الأبناء، ورغم أن والديَّ غير متعلمين، إلا أن طموحهما الأهم هو أن يتعلم أبناؤهما أفضل تعليم، وبالفعل تولدت لدي رغبة شديدة في التعلم والتفوق، وكنت حريصة دوما منذ الصغر على تنظيم الوقت، وعلى أن أكون إنسانة مسؤولة، وحين وصلت إلى المرحلة الثانوية تخرجت ضمن ثاني دفعة من الرياضيات الحديثة بمدارس البنات، وكنت الأولى على مدارس البنات بالبحرين، وحصلت على بعثة لدراسة الطب، ولظروف الحرب في بيروت تم تحويل دفعتنا إلى الدراسة بأمريكا، وهناك غيرت تخصصي إلى الهندسة المدنية. *بعد العودة؟ - بعد التخرج وعودتي إلى وطني البحرين عملت كمهندسة بإحدى الشركات، مدة ست سنوات تقريبا، وحين شعرت بعدم تحقيق أي تطور مهني، جازفت وخاطرت بالوظيفة من أجل مشروعي الخاص، حيث أسست مكتبا هندسيا عام 88 وإلى الآن، ولكنه تحول مؤخرا إلى «مكتب للرأي». *وكيف كانت بدايات المشروع؟ - حين أسست المكتب الهندسي كنت في ذلك الوقت أتحمل الكثير من المسؤوليات، وكان عمر ابني عاما فقط، وكانت عملية إحداث الموازنة بين المهام المتعددة صعبة، خاصة في ظل عملي التطوعي أيضا مع جمعية نهضة فتاة البحرين، ومع ذلك كنت دوما بقدر المسؤولية، وحريصة على متابعة أبنائي ورعايتهم، ولم يحدث أن أخليت بواجبي تجاههم، وعشت صراعا مع الحياة، وانتصرت فيه ولله الحمد. *أهم تحدٍ كامرأة؟ - أهم تحد بالنسبة إلي كامرأة كان التسويق لنفسي، حيث لم يكن لدي أي وقت للقيام بذلك، وهو شيء مهم للغاية لأي مهندس، عدا ذلك لم تواجهني أي عثرات على الإطلاق، كما أنني لم أتخلَ عن أنوثتي رغم نزولي مواقع العمل، وكنت حريصة على إنجاز عملي بالتفاهم والحوار مع العاملين. *ولماذا تم تحويل مشروعك إلى مكتب للرأي؟ - لقد حولت مشروع مكتب الهندسة الاستشارية إلى أول مكتب رأي، وذلك منذ عام 2014. حيث تم استحداثه من خلال لجنة مزاولة المهن الهندسية للمهندسين البحرينيين المتقاعدين الذين تزيد خبرتهم على عشرين عاما، وذلك بعد تعرضي لحادث كسر في الظهر خلال رحلة سياحية، وهنا شعرت بضرورة تخفيف ضغوطات العمل للتغلب على هذه المحنة المرضية، فقررت إحداث هذا التحول في مشروعي، وهو مكتب يختص بالنظر في أي مشكلة هندسية، وإعداد تقرير مفصل عنها، كمحكم وخبير في مجال الهندسة المدنية، وبالطبع يتم ذلك من خلال مستندات وثبوتات موثقة، وهو عمل ممتع للغاية، ومثل مرحلة جديدة بالنسبة إلي في مشواري المهني. *فلسفتك في الحياة؟ - فلسفتي في الحياة هو المحبة والتسامح وعدم رد أي إساءة أو أذى بالانتقام، بل بالعمل وإثبات الذات، وهذا ما غرسته في نفوس أبنائي منذ صغرهم، إلى جانب تعويدهم على تحمل المسؤولية. *هل تتعارض مهنة التحكيم مع طبيعة المرأة العاطفية؟ - شخصيا لا أرى هناك أي تعارض بين مهنة التحكيم وطبيعة المرأة العاطفية، وهناك العديد من المحاميات والقاضيات في الساحة يقمن بواجبهن على أكمل وجه، من دون أن تتدخل العاطفة في عملهن أو قرارهن، فالمرأة أثبتت وبجدارة أنها تصلح لشغل أي مهنة، وتبدع وتتفوق فيها. *ماذا عن نشاطك التطوعي؟ - لا شك أن الخروج من خانة الأنا وحب الذات وتأمين لقمة العيش إلى الدائرة الأكبر والأعم، هو رسالة إنسانية عظيمة، تنبع من القناعة بأننا زوار في هذا العالم الواسع، وبأن عملنا هو الشاهد علينا، فالتطوع يتم بدافع الإسهام في تحمل المسؤولية بعيدا عن أي صراعات، ومساعدة الآخرين بأي صورة من الصور، فاليوم أصبح للعمل الخيري مفهوما أعمق وأشمل. *وما هو ذلك المفهوم الأعمق؟ - لقد أصبح من الضروري أن يستمر العمل التطوعي على مدار العام وليس بصورة موسمية في المناسبات، وأن يكون جزءا من نشأة الإنسان وقيمه التي تربي عليها، وشخصيا أنا ابنة جمعية نهضة فتاة البحرين، وهي أول جمعية نسائية في الخليج منذ 1982. ومارست رسالتي التطوعية من خلالها بمنتهى الشغف، وقد تم تكريمي من قبل وزير العمل والشؤون الاجتماعية في عام 1989 ضمن تكريم رواد العمل الاجتماعي، كما كرمت من الجمعية في عام 1995. وفخورة بما حققته في هذا القطاع الحيوي والمهم، هذا فضلا عن اهتماماتي الأخرى. *مثل ماذا؟ - أنا عضو في نادي الفراشة للقراءة منذ عام 2016. وهو يضم مجموعة من النساء هدفهن خلق مجتمع نسائي واع بأهمية القراءة باللغة العربية، وبضرورة التبادل المعرفي، وأعترف بأنني كنت محدودة القراءات قبل هذه العضوية، إلا أنني بعدها انتعشت لدي موهبة القراءة وأصبحت أقرأ كتابا على الأقل كل شهر، وهو أمر يساعد على صقل الشخصية والإلمام بمختلف المعارف. *كيف واجهت أزمة كورونا؟ - في واقع الأمر لم تكن أزمة كورونا في مجملها سلبية، بل كان لها وجه إيجابي أيضا، ويمكن القول إن فيروس كورونا جاء ليمثل اختبار للأولويات لدى كل شخص، وإعادة النظر في ترتيبها من جديد، كما أنه أكد غلبة العلم والتكنولوجيا على ما عداهما، وأهمية إدارة الوقت والمشاركة في الفضاء الافتراضي بأقل كلفة وشقاء. *أصعب محنة؟ - أصعب محنة واجهتها عبر مشواري كانت وفاة والدتي مؤخرا، حيث كانت أقرب الناس إلي، وأشعر بعد غيابها أنني قد حرمت من دعواتها، وهي من علمتني محبة الناس بلا حدود أو شروط، وتقديم العون لهم، والتسامح مع الآخرين، وقد جاءت محنة كورونا لتغرس ذلك بداخلنا جميعا، وخاصة فيما يتعلق بمساعدة الفقراء، وتقديم المساعدة لهم، وخاصة هؤلاء الذين خسروا الكثير وفقدوا مصدر رزقهم. *هل جربتِ معنى الفشل؟ -لا شك أن أهم قرار مصيري عبر مسيرتي كان المجازفة بوظيفتي واطلاق مشروعي الحر، ولله الحمد لم أندم قط على أي قرار اتخذته، لأنني اعتدت دوما أن أضع جدولا لأي قضية في حياتي، أحدد فيه الإيجابيات والسلبيات، وعادة لا أنظر إلى الخلف مطلقا، وأستنفذ كل طاقتي في التفكير والوصول إلى القرار الأمثل لأي مشكلة، لذلك حين أتخذ القرار أكون مسؤولة عنه وعن كل تداعياته، ومن ثم أصبح على قناعة تامة به، لذلك لم أعرف قط معنى الفشل، ويمكن القول إنني مررت بصعوبات تم تجاوزها بشيء من الحكمة. *كيف ترين وضع المرأة اليوم؟ - بالرغم من كل ما حققته المرأة البحرينية من مكتسبات ونجاحات، وما حصلت عليه من حقوق وامتيازات في مختلف المجالات، بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وجهود المجلس الأعلى للمرأة تحت قيادة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، إلا أنني أرى أننا مازلنا في بداية الطريق، ومازال المشوار أمامنا طويلا، فهناك أمور مصيرية نجاهد من أجلها، وعلى سبيل المثال لا الحصر منح الجنسية إلى أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي نحصل فيه على ذلك الحق وغيره من الحقوق. *حلمك القادم؟ - حلمي القادم أن أرى أحفادي، وأستمتع بهم، وبرعايتهم، وأن أضمن لهم حياة مستقرة ناجحة ومستقرة.
مشاركة :