الحياء رأس مكارم الأخلاق وأساس كل الفضائل

  • 12/10/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من الطبيعي أن الإنسان إذا تعرى من الحياء، ولم يتخلق بخلق الإسلام؛ فلا تسل عما سيقترفه من رذائل، ولا تعجب مما سيرتكبه من حماقات. ولقد رفع الإسلام من شأن الحياء، وحث على لزومه باعتباره خُلق الإسلام ورأس الفضائل الخلقية، وعماد الشعب الإيمانية. وبحكم أن الحياء صمام أمن لسائر الأخلاق؛ فكيف يمكن ترسيخه في المجتمع لدى الذكور والإناث كبيرهم وصغيرهم، ولمواجهة التيارات والسلوكيات التي خرجت علينا نازعة لباس الحياء في المأكل والمشرب، والملبس، وفي الكلام في المجالس والمنتديات، وعبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. «الجزيرة» رصدت رؤى عدد من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية حول أهمية الحياء، وفضائله، وآثاره على الفرد والمجتمع، وكانت رؤاهم على النحو التالي: الحياء كله خير يقول فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام: من الأخلاق الفاضلة التي قُرِنَتْ بالإيمان، خلُق الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: (الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ، قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ)، موضحاً أن الحياء هو خلق الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من الصحابة والتابعين، فهذا موسى عليه السلام قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ»، وأما نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد تسنَّم صُوَرَ الحياء في أعلى قاماتها، فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ). وأضاف د.المعيقلي أن الحياء صفة للرب جل جلاله وتقدست أسماؤه، وحياء الرب تبارك وتعالى، حَيَاءُ جُودٍ وَكَرَمٍ، وبِرٍّ وَجَلَالٍ، فَإِنَّهُ سبحانه حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خائبتين، وَيَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ ذَا شَيْبَةٍ شَابَتْ فِي الْإِسْلَام، وفي الأثر: يقول الرب جل جلاله: (مَا أَنْصَفَنِي عَبْدِي، يَدْعُونِي، فَأَسْتَحْيِي أَنْ أَرُدَّهُ، وَيَعْصِينِي وَلَا يَسْتَحْيِي مِنِّي). مؤكداً فضيلته أنه يجب على المسلم أن يستحي من الخالق سبحانه، فلا يتأخر في طاعته، ولا ينسى شكر نعمه، ولا يراه حيث نهاه، أو يفتقده حيث أمره، فالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، أحق أن يستحيي منه، وبذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه، ففي معجم الطبراني (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللّهِ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِحاً مِنْ قَوْمِكَ)، مشيراً إمام المسجد الحرام إلى أن الحياء دليل على رجاحة العقل، وأدب في التعامل مع الخلق، وطريق خير وصلاح، وسعادة وفلاح، في الدنيا والآخرة، الحياء شعار المتقين، ودثار الصالحين، وجلباب ستر الله على عباده المؤمنين، وإذا أصر العبد على الذنوب والمعاصي، ولم يسلك طريق التوبة، نزع منه الحياء، ومن نزع حياؤه حل هلاكه، فتمادى في تحصيل شهواته، وظهرت مساوئه، ودفنت محاسنه، وكان عند الناس مهاناً، وعند الله ممقوتاً. وأبان أن من مظاهر نقص الحياء، انتشار الألفاظ النابية، والتصرفات المشينة، والكذب والتضليل، وعدمُ احترام الآخرين، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يرعى لكبير حقًا، ولا لصغير ضعفاً، كما أن من مظاهر ضعف الحياء: تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ففي صحيح البخاري، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)، مشدداً أن أعظم من ذلك كله المجاهرة بالذنوب والمعاصي، فهي سبب لعدم العافية، في الدنيا والآخرة، ففي الصحيحين، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ). وأوضح أن الذي يُحَرِّكُ فِي الْقَلْبِ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ عز وجل، أمور ثلاثة: تَعْظِيمُ اللَّهِ وَحُبُّهُ، وَالْعِلْمُ بِرُؤْيَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ؛ فَمَتَى مَا كَانَ الْقَلْبُ مُعَظِّمًا لِرَبِّهِ، مُحِبًّا لَهُ سُبْحَانَهُ، عَالِمًا بِاطِّلَاعِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، تَحَرَّكَ الْقَلْبُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ جَلَّ جلاله وتقدست أسماؤه، وأنه إذا كان الحياء في الرجال زينة وجمالاً، فإنه في حق النساء أجمل وأكمل، فأولى الناس بخلق الحياء، هم النساء، وقد خلّد الله في كتابه الكريم، خبر تلك المرأة مع نبي الله موسى عليه السلام، وحيائها وحسن صنيعها، حيث مشت إليْه بخطوات، لا تبذل فيها ولا إغراء، وتحدثت بكلمات معدودات، لا خضوع فيها ولا إغواء، فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ، مؤكداً أنه حينما يسودُ الحياء في المجتمع المسلم، فإنَّه يرتفع بأخلاقهم، ويسمو بآدابهم، ويشيع الخصال الكريمة، والفضائل الحميدة، ولا يأتي عليهم إلا بخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ) و(الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْر). القيمة الإيمانية ويبين الدكتور سعد بن محمد الفياض عضو مجلس ادارة جمعية «عون»، أن الحياء إمارة صادقة على طبيعة الإنسان، فهو يكشف عن قيمة إيمانه ومقدار أدبه، وهو دليل على حياة الضمير ونقاوة المعدن وزكاة العنصر، كما أن الحياء والإيمان قرينان جميعاً فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر، والإيمان صلة كريمة بين العباد وربهم، ومن حق هذه الصلة بل أثرها الأول تزكية النفوس وتقويم الأخلاق وتهذيب الأعمال، ولن يتم ذلك إلا إذا تأسست في النفس عاطفة حية تترفع بها أبداً عن الخطايا أو سوء الأدب مع النفس أو مع الغير قولاً أو فعلاً. وليس الحياء جبناً فإنّ الرجل الخجول قد يفضل أن يريق دمه على أن يريق ماء وجهه، وتلك هي الشجاعة في أعلى صورها، الحياء هو صفة العظماء وأصحاب المروءات، فإنّ الرجل الذي يخجل من الظهور برذيلة تنقص مروءته وتضعف رجولته، لاتزال فيه بقية من خير، فإنّ من الحياء أن يخجل الإنسان من أن يُؤثر عنه سوءاً، وأن يحرص على بقاء سمعته نقيةً من الشوائب بعيدة عن الإشاعات السيئة. ويؤكد الدكتور الفياض أن أعظم الحياء، الحياءُ من الله فهو أسمى المنازل وأكرمها، فنحن نطعم من خيره، ونتنفس في جوه، وندرج أرضه ونستظل بسمائه، ولا عجب فإنّ الإنسان بإزاء النعمة الصغيرة من مثله الإنسان يستحي أن يقدّم له إساءة فكيف بالرب الجليل؟ الذي يغمرُهم بآلائه من المهد إلى اللحد، وإنّ حق الله عظيم، وذلك بطاعته والبعد عن معصيته، فمن فعل هذا فقد استحيا من الله حق الحياء، وإذا كان الحياء يجمل في الرجال فهو في النساء أجمل وأجمل. وصَدَقَ الله إذ يقول في حق بنات شعيب عليه السلام عندما جاءت لموسى - عليه السلام - فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء... الآية. فيؤكد الدكتور خالد بن محمد السرحان أستاذ علم الاجتماع أن الحياء لا يأتي إلا بخير، فخلق الحياء حاجة مجتمعية وهو مطلب لمواجهة البلطجة الأخلاقية، والإسفاف السلوكي، والتحرش الجنسي، واسترجال البنات، وتخنث الذكور، وغير ذلك مما نعاني منه في هذا العصر.ومن شأن خلق الحياء أن يمنع الإنسان من فعل أي شيء لا يتفق مع الأخلاق الكريمة والسلوك الحميد، وبالتالي تتوافر الحماية للمجتمع من كثير من المشكلات والأزمات التي يعاني منها الآن. فالحياء يمنع المسلم من الأفعال المرذولة، ويدفعه إلى الأفعال المحمودة، فهو مثلا يمنع الإنسان من رذيلة النفاق التي انتشرت في حياتنا، فأخلاق المسلم لا تسمح له بأن يكون ذا وجهين يفعل أمام الناس شيئا وبينه وبين نفسه يفعل شيئا آخر مخالفا.. فهذا ليس من المروءة ولا من الأخلاق الكريمة في شيء.. وهو في الوقت نفسه يدفعه إلى أن يكون صادقاً في أقواله ثابتاً على مبادئه، منحازا دائما إلى الحق والعدل.. ولذلك قال بعض علماء الأخلاق إن الحياء أساس كل القيم.

مشاركة :