(لم تكن فواصل لذاكرة مثقوبة، بل هي أقدام تتقدم في مشروعها الأدبي من دون أن تهجس حرارة وهج الكتابة وتعبها اليومي، فلا هي قادرة على لجم وهجها ولا هي أداة طيعة لمن يريد أن يكسر صلجانها..!) بهذا المعنى قرأت الكثير من التجارب التي كانت في البدء لينة، تتقدم بها الرياح من دون أن تقف فوق ثوابت مفهوم الكتابة. كان حلمها أن تكسر المستحيل وتصل إلى قمة احتراق الجسد بالكتابة، لها بصرٌ وليس لها بصيرة، دخلت المعركة مع الجموع، فارسها يتقدمها نحو السباق والهدف واحد، (من يتصلب أمام العاصفة)؟ بين الحشود انحشرت، والأقلام من حولها ازدادت عددًا ولم تزد وهجًا، سارت والدرب ضيق في دهاليز داهمت أقدامها، حاولت أن تصطاد طرائدها من شباك متفلت، تركهُ الصياد من دون طعم يقود الطرائد إلى المصيدة، ظنت أن رؤيتها للأشياء من باب الحلم أصلب من واقعها في المعادلة، لكنها أخطأت حينما تجاسرت على صحوتها. لم تكن صحوة بالمفهوم الذي يدركه الكفيف، لأن الثاني يتقدمه قلب نابض والأول يتقدمه عقلٌ مشتت، ضائع بين الخطيئة والخطوة، وبين الصبوة والفُتّوة، دخل ليرى أنه في الجراب وحيدًا من دون رفيق وما حوله كثرة من الصحاب النائمين في الحلم المتقدمين بتيه من دون رشد. وإن البدء في المسير، رسائل يعلم الحبُر موقعها من كبد الأبيض من الورق، وبينهما سمو عالق بتربة تختزن في أحشائها بذور الصحوة! تلك المعادلة يدركها الكثيرون ممن يمتهنون وجع الكتابة رغم جفاف الحبر يظلون يفتلون حبل الضوء بصبر ضنين. ومن لا يدرك ذلك ينحدر في عمق أسفل الجرح، بين الألم والقيح الذي هو الشاهد على أن من يمارس لعبة الحب لا بد له أن يقدم القرابين. بينها السهر المضني والصبر على القراءة وأن ضعف البصر وقلت الحيلة، تظل الحكاية كتابا يعلقنا فوق مشانق عشقة ولغة تنطوي بانطواء ما يخالجنا من إدراك يومي يلزمنا بالكتابة والقراء حتى نتنفس بحرية ويتنفس من يتعاطى معنا لذة العيش في رغد بحبوحة ما نكتب. فالسلم ليس سهلا في صعوده لكنه ليس مستحيلا لمن سهر وحبّر أوراقه بحر دماء أنامله في اكتمال المشروع الذي قد يصل به نحو القمة أو يعيده إلى أسفل الجبل. بين كل هذا الإصرار والمكابدة على الكتابة ألق يفتح للظلمة خوفها ويترك للفضاء سعة البوح، بين وطن يشد جيادنا نحو الحب وبين عيون أكل رموشها السهر لكنها ظلت ببصيرتها تقود الجياد نحو الهدف. وهدفنا أن نكتب ونقرأ بمعادلة واحدة حتى لا نفقد البوصلة، فمن لا يقرأ لن يجيد لغة الكتابة بمعنى الضوء في متاهة العتمة. a.astrawi@gmail.com
مشاركة :