حَبيبٌ مِنَ الأَحبابِ شَطَّت بِهِ النَوى وَأَيُّ حَبيبٍ ما أَتى دونَهُ البُعدُ فبينما كنت منسجماً في قراءة بعض الكتب الأدبية إذا برنين هاتف الشيخ الأستاذ سلطان بن محمد بن سلطان «أبو فارس» مُعزياً لنا في وفاة عمه الأستاذ سلطان بن عبدالله الصالح «أبو رائد»، الذي انتقل إلى الدار الباقية مأسوفاً على رحيله، وذلك مساء يوم الثلاثاء 25-4-1443هـ، وتمت الصلاة عليه عصر يوم الأربعاء 26-4-1443هـ، بجامع البابطين، ثم ووري جثمانه الطاهر بمقبرة الشمال بالرياض - تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته - فما إن لبثتُ أن حلّق بي الخيال إلى هاتيك الأجواء الجميلة أجواء الطائف التي قضينا فيها معاً أحلى أيام العمر معه، ومع زملائه بها في الدراسة بدار التوحيد «أم المدارس» - آنذاك -: بِنَفسيَ تِلكَ الأَرضُ ما أَطيَبَ الرُبا وَما أَحسَنَ المُصطافَ وَالمُتَرَبَّعا ولازلتُ ذاكراً رغم تقادم الزمن المقابلة التي أُجريت معه داخل غرفة إدارة المدرسة لقبوله بالسنة الأولى عام 1371هـ المجاورة لفصلنا، ونحن بالسنة الثانية أنا وزملائي عام 1372هـ، ثم استمرّ في الدراسة حتى نال الشهادة الثانوية عام 1375هـ، مواصلاً الدراسة بكلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة، حيث نال الشهادة العالية بتفوق عام 1380هـ. وقد عمل في بداية مساره الوظيفي معلماً بوزارة المعارف آنذاك، ثم أُسندت له مهمة التفتيش الإداري وكان ضمن فريق العمل المكلف بافتتاح المدارس الجديدة بمناطق المملكة آنذاك، ثُمَّ انْتُدِبَ من وزارة المعارف ليكون ممثلاً للملحقية الثقافية بالسفارة السعودية في لندن لمدة 8 سنوات، إلى أن انتهى به المطاف موجهاً إدارياً بجهاز وزارة المعارف لما يتمتع به من حِنكةً وخلقٍ كريم وأدب جم رفيع، وكان محبوباً لدى زملائه ومجتمعه الأسري باراً بوالديه وواصلاً لرحمه. وعوداً على بداية حياته في حريملاء، فقد ولد رحمه الله عام 1356هـ، وبدأ دراسته في إحدى مدارس الكتّاب لتعلم الكتابة والقراءة، وحفظ ما تيسر من كتاب الله العزيز الحميد، وعندما رأى بعض أقاربه الذين درسوا في دار التوحيد بالطائف بعد عودتهم إلى الرياض أثناء الإجازة السنوية، أمثال أخيه صالح بن عبدالله الصالح، والأخوين الكريمين راشد ومبارك ابنَي عبدالله المبارك - رحم الله من غاب عن الوجود منهم - وأسعد الباقي مبارك «أبو عادل»، عزم سلطان» أبو رائد» على السفر إلى الطائف مُلفياً على أخيه لأمه (منيرة بنت حمد بن ناصر المبارك) الشيخ محمد بن صالح بن سلطان وكيل وزارة الدفاع والطيران، زمن الوزيرين الأمير منصور والأمير مشعل ابنَي الملك عبدالعزيز - رحم الله الجميع -، وكان ذلك سبباً مباركاً في دخوله دار التوحيد - كما أسلفنا آنفاً. ولنا مع الأستاذ سلطان ذكريات جميلة لا تغيب عن الذاكرة، وذلك حينما استقر في قصر أخيه الشيخ محمد بن صالح بن سلطان الواقع في حي العزيزية، وعلى مقربة من قصر النيابة، فهو يزورنا في سكن الطلبة المغتربين «القسم الداخلي» ويدعونا إلى تناول طعام العشاء في قصر أخيه الشيخ محمد فيفرح أبو سلطان بحضورنا مؤكداً على استمرار التواصل في زيارته، متى سنحت الفرصة لنا؛ فهو رجل كريم ومتواضع مع الكبير والصغير، وقد طبع على ذلك منذ فجر حياته: وَأَحْسَنُ أَخْلاَقِ الفَتَى وَأَجَلُّهَا تَوَاضُعُهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ رَفِيعُ وكان الشيخ محمد بن صالح بن سلطان وأمير الطائف الراحل عبدالعزيز بن فهد المعمر ومساعده ناصر المعمر، ومعالي الشيخ محمد سرور الصبان وغيرهم من الأدباء ورجال الدولة - رحم الله الراحلين منهم وأسعد الباقين - يحرصون على حضور فعاليات نادي الطلبة الأدبي الثقافي بدار التوحيد، الذي يُقام مساء كل يوم خميس في صالة القسم الداخلي بسكن الطلبة المغتربين، ويساهم فيه الطلبة بأشعارهم وقصائدهم الأدبية، فالذكريات الحبيبة إلى قلوبنا مع «أبو رائد» ومع زملائنا في دار التوحيد عامي 1371- 1372هـ باقية لا يمحوها ماح مدى العمر.. ومهما أنسى من شيء تولى فإني ذاكرٌ (دار التوحيد) تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أبناءه وبناته وعقيلتيه وأسرة آل صالح ومحبيه الصبر والسلوان.
مشاركة :