من مسقط التاريخ التي تحكي قلاعها وسواحلها وبحورها قصة عُمان والشعب الذي جاء منها (أحمد بن النعمان الكعبي) أول سفير للسلطنة في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1840م)، بدأ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ال سعود ولي العهد جولته الخليجية التي ستقرّبنا كثيرًا من القمة الخليجية (42) في الرياض في (14 ديسمبر)، وستكون سببًا رئيسيًا في نجاح قمة اليوم، بعد تعثر القمم السابقة التي انعقدت وسط أجواء أزمة دولة قطر في (2017م)، ستكون هذه القمة هي الانطلاقة الحقيقية لمستقبل خليجي يعيد الأمل المفقود في دهاليز لعبة الأمم وخطط السياسة والأطماع والتهديدات التي عصفت بمجلس التعاون في السنوات الأربع الماضية. وعند ما يبدأ التحرّك والمبادرة من (الرياض) عاصمة الشموخ بقيادة أمير الشباب الذي حقَّق المستحيل في فترة قياسية ونقل المملكة من مرحلة إلى مرحلة جاوزت كل التصورات، فإنه يبدأ من مكانه الصحيح؛ لأن المملكة العربية السعودية هي عمود مجلس التعاون؛ فمن عاصمة التاريخ والتحدّي التي تأسست في (يناير1902م) بقيام الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود الذي تمكَّن من استعادة مدينة الرياض ليؤسس الدولة السعودية الحديثة ويبني صرح المملكة العربية السعودية في فترة عصيبة من تاريخ العالم، يأتي محمد بن سلمان ليواصل مسيرة العطاء والخير والحب ويبني على ما أسسه أجداده عبر التاريخ العريق. من المؤكَّد أن الجولة الخليجية التي قام بها صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان يوم الإثنين (6 ديسمبر 2021م) ركَّزت على العديد من القضايا المهمة جدًا أهمها العلاقات مع إيران، خاصة وأن السعودية ودول مجلس التعاون بعد إنجازاتها الحضارية الكبرى على مدى خمسين عامًا لا تسعى لمواجهة عسكرية مع طهران لكنها تشعر بالقلق من أنه حتى لو لم تتوصل القوى العالمية إلى اتفاق فإن دعم إيران للفصائل الإرهابية المسلَّحة والمدرَّبة على أراضيها وفي جميع أنحاء المنطقة ونشرها للطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية سيستمر في تعريض أمن دول مجلس التعاون للخطر؛ لذلك يصبح من الضرورة معالجة التهديد الإيراني المستمر بشكل جماعي وفعَّال، فكثيرون حاولوا افتعال الأزمات وتدبير المؤامرات ضد المملكة العربية السعودية لإنهاء دورها في المنطقة العربية أو التخطيط لتشويه سمعتها في المحافل الدولية إلا أنها باءت بالفشل وتحطَّمت تحت أقدام قيادتها المؤمنة بدورها العربي والإسلامي وإن رياض المجد هي عاصمة القرار الاقتصادي والسياسي. ومن هنا يمكن استنباط دلالات جولة الأمير الشاب، والرسائل التي تريد المملكة العربية السعودية إيصالها لشقيقاتها دول الخليج العربية، خصوصًا من ناحية العمل الخليجي المشترك وأهمية تعزيزه في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقة الخليج، وإعادة الروح إلى مجلس التعاون للقيام بدوره في إطار نظامه الأساسي الموقَّع في (مايو 1981م)، واختصارها في النقاط الآتية: أولاً: إن رَسم سياسة موحَّدة لمجلس التعاون أمام السياسة الأمريكية الضبابية في المنطقة فيما يتعلَّق بالملف النووي الإيراني هي من أولويات محمد بن سلمان في جولته الخليجية لاستباق أيّ تطورات تصبّ في صالح إيران خلال المفاوضات بما يحقِّق أهدافها وتطلّعاتها بأن يكون لها دور رئيس ومؤثِّر في المنطقة ومسك خيوط الازمات أو قنابلها الموقوتة التي زرعتها في المحيط الخليجي وخارجه للقضاء على وحدته وتماسك دوله. ثانيًا: العمل على إعادة اللحمة الخليجية المفقودة بعد أزمة قطر عام (يونيو 2017م) وتداعياتها المثيرة لمواجهة كافة التهديدات والمخاطر وعلى وجه الخصوص التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية وقطع ذراعها الطويلة أو تحييدها بعد أن أصبحت تهدد كيان مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الصراع الدائر باليمن، وفي ظل سياسة التخلّي الأمريكية عن التزاماتها التاريخية بحماية أمن الخليج وأمن خطوط الملاحة الدولية. ثالثًا: استكمال المصالحة الخليجية التي بدأت في (قمة العُلا) هذا العام وتوقَّفت على أبواب البحرين دون تنفيذ قطر لقرارات هذه القمة بعد التحرّك الدبلوماسي البحريني نحو تسوية القضايا العالقة بين البلدين ثنائيًا ولم يجد تجاوبًا من الجانب القطري لأسباب معروفة أما المصالحة بين الإمارات وقطر فلا يشعر المراقب بأن الدفء قد عاد إلى العلاقات بين البلدين لأسباب لا تخفى على المتابع. رابعًا: الدبلوماسية السعودية الضاغطة لوقف سياسة التحالفات والاتصالات الثنائية التي تجريها بعض دول مجلس التعاون مع إيران؛ لانعكاساتها السلبية على القرار السياسي الخليجي تجاه قضايا الإقليم والقضايا الدولية، التي ستؤدي حتمًا إلى ضعف العمل الخليجي المشترك خاصة في هذه المرحلة المليئة بالأخطار التي تهدِّد دول المجلس بعد التغيير الاستراتيجي الأمريكي فيما يتعلق بتواجدها في منطقة الخليج العربي وحمايته من الأطماع الإيرانية والتوجه نحو إعطاء إيران دورًا يعيد إليها سيطرتها وتأثيرها الذي فقدته بعد انهيار النظام الشاهنشاهي عام 1979 والاعتراف بسيطرتها المطلقة على العديد من العواصم العربية خاصة العراق الذي أصبح دولة إيرانية لتمتد حدود إيران إلى الكويت وسوريا ولبنان إلى جانب تعاون إيران معها في القضاء على (داعش). أما على الصعيد الثنائي بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، فهناك العديد من الاهتمامات المشتركة بين البلدين، خصوصًا وأن (العلاقات السعودية البحرينية) هي حالة فريدة للعلاقات الجامعة بين بلدين، فالدين والتاريخ المشترك والجوار الجغرافي والآمال المشتركة والإرث القديم والعلاقات الأسرية والقبلية وقرابة الدم التي تربط العائلة المالكة الخليفيّة بالعائلة المالكة السعودية، جعل منها علاقة عميقة جدًا تتسم بالمتانة والثبات ووضوح الرؤى، وامتازت عن غيرها بقوتها وصلابتها أمام التحديات على مدى قرون طويلة، وأكدتها الزيارات المتواصلة لملوك المملكة العربية السعودية إلى البحرين منذ عام (1891م) وحتى يومنا الحاضر، والتي قدَّمت دروسًا في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية النموذجية التي تصوِّر معاني الحب والأخوة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، وتعكس حرص القادة على مدى الأجيال المتعاقبة على حفظ المصالح الأمنية والسياسية للمنطقة عمومًا، وخير دليل على ذلك هو الدعم الكبير والمؤثِّر الذي لقيته مملكة البحرين من شقيقتها السعودية في (فبراير 2011م) على كل المستويات، انطلاقًا من أن مصادر التهديد والخطر التي تواجهها (السعودية والبحرين) مشتركة، ومن ثم يتعيَّن على البلدين مواجهتها معًا، وأن ما يجمعهما من تاريخ وحاضر ومستقبل مشترك يجعل منهما كيانًا واحدًا يعمل بيدٍ واحدة لتحقيق الاستقرار والخير والرفاه لشعبيهما ولشعوب المنطقة، تلك هي القاعدة التي جمعت القيادتين والشعبين منذ فجر التاريخ وهو أمر لا يمكن أن يتكرَّر في تاريخ الأمم والشعوب. لذلك؛ فإن متانة هذه العلاقات تقف سدًا منيعًا وحصنًا حصينًا أمام كل المحاولات والتصرفات غير المسؤولة للسياسة الأمريكية والإيرانية في منطقة الخليج العربي التي ضاعت بين ابتسامات محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق ومراوغاته التفاوضية في اجتماعات الملف النووي وادّعاءاتها في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان والتعددية السياسية في منطقة طغى عليها التطرّف والتعصّب الديني الطائفي الذي تمارسه إيران. لذلك من المهم التركيز على الكلمات العفوية والصادقة التي خرجت من القلب إلى القلب خلال اجتماع (مجلس التنسيق السعودي البحريني) الذي انعقد يوم الخميس (9 ديسمبر 2021م) حينما وجَّه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حديثه إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة قائلاً: «في المملكة العربية السعودية طموحنا بلا شك أن ننهض بالمملكة العربية السعودية، لكن نعرف إنا ما نقدر ننهض إذا دول الجوار وضعها ليس مميز مثلنا؛ فلا بد أن نعمل مع جيرانا للتأكد من أن وضعهم تحسَّن ووضعهم في أفضل تميّز، خصوصًا مع الأقرب لقلوبنا في التاريخ (البحرين)». وهي عبارات تحمل في طياتها الكثير من المعاني الجميلة والمحبة، وتؤكِّد على مدى حرص المملكة العربية السعودية على استقرار وتقدّم البحرين ودول المجلس. وهنا يجدر بنا الإشارة إلى النظرة البعيدة التي طرحها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه في رؤيته التي تم إقرارها في قمة أبوظبي عام (2009م)، وأشارت إلى نفس ما قاله الأمير محمد بن سلمان بـ(أهمية إنشاء صندوق مالي دائم لدعم الدول الأقل نموًا أو المتضررة من الكوارث الطبيعية ومواجهة التحديات التي قد تعيق مسيرة التطور والبناء في هذه الدول). وقد تداركت دول المجلس ذلك في (المارشال الخليجي) عام (2011م) الذي تمَّ من خلاله تقديم دعم مالي خليجي سخي لمشاريع البنية التحتية في كل من مملكة البحرين وسلطنة عُمان وساهم في الحفاظ على استقرارهما الاقتصادي والاجتماعي ومساعدتهما في تنفيذ المشاريع التنموية وتجنب تعرض اقتصاداتهما لهزات تعيق مسيرة التطور فيهما وتؤثر في أمنهما واستقرارهما. لقد كشف البيان المشترك الذي صدر في ختام الزيارة المباركة عن العديد من سبل التعاون والمبادرات المهمة، خاصة دعم السعودية لخطة برنامج التوازن المالي وحزمة مشاريع الاستثمارات الكبرى في البحرين، إلا أن ما لفت انتباهي في البيان المشترك أمرين مهمين وهما: 1. التعاون في مجال الأمن السيبراني الذي يعتبر من أهم المجالات في عالم تكنولوجيا المعلومات وحفظها من هجمات القراصنة (الهاكرز) الذين يستطيعون تعطيل المنشآت الحيوية كمحطات الكهرباء والماء والمستشفيات والبنوك وغيرها دون اللجوء إلى استخدام القوة العسكري. 2. إنشاء المجلس الشبابي السعودي البحريني الذي يُعَدّ خطوة مهمة لوضع قواعد وأسس القيم وعلاقات الأخوة التي تربط البلدين الشقيقين. تلك كانت الزيارة الدافئة من (السعودية) قلب الأمة العربية وصمام أمان المنطقة وقائدة العالم الإسلامي مهما حاول البعض التأثير على مكانتها التي تزداد يوما بعد يوم، فأهلاً وسهلاً برجل المملكة وأهلاً وسهلاً بقائد مسيرتها العظيمة على أرض البحرين الشامخة. * المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :