مشكلتنا هنا أننا لا نتمتع بثقافة قانونية تحركنا وندور في فلكها ونعمل لها حسابات دقيقة في كل أفعالنا أو ردود أفعالنا ونتائج تصرفاتنا. نعيش في الغالب (سبهللة). وكل منا يعيش تحت رحمة (يا ساتر) وطائلة (خليها على الله).. وكلاهما، الرحمة والطائلة، واردان إذا عقلناها وتوكلنا، إذ ليس بمقدورك أن تُسلم، على سبيل المثال، أطفالاً لمدرسة ابتدائية وتتركهم لضمائر معلميهم دون أن تراقب وتدقق وتحاسب بناءً على القوانين المكتوبة والمرعية والمطبقة على من يخطئ. الأستاذ الذي يتلذذ بتصوير طالبه الصغير وهو يضربه أو يعاقبه، أو ذاك الذي يكسر يد صغيرٍ آخر لخلاف طائفي، أو تلك المعلمة التي تتلذذ بإهانة الصغيرات والتحقير من حضورهن واجتهادهن. كل هؤلاء لابد، إن أردنا أن يكفوا أذاهم وأمراضهم وعقدهم، أن يخضعوا لقوانين واضحة تسلمُ لهم كراساتها ليوقعوا عليها قبل أن تفتح لهم أبواب الفصول المكتظة بالأجساد والعقول الغضة. لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نترك الحبل على الغارب ونكتفي بالدعاء أن يحفظ الله أولادنا أو بناتنا من كل مكروه. الدعاء لابد أن يقترن بثقة مجتمعية أسرية بحواضن التعليم، التي يفترض أن يتوظف فيها الأسوياء الأكفاء، ويفترض أن نمارس فيها الوقاية الجسدية والذهنية والفكرية للطلبة والطالبات، وإلا فإننا سنظل نستقبل كل يوم حادثة مدرسية بطلها أحد المدرسين الموتورين وضحيتها تلميذ صغير لا حول له ولا قوة. نفس الشيء ينطبق على وجه العملة الآخر، وهو ألا يُترك المدرسون لفوضى وعنف طلبة المدارس المتوسطة أو الثانوية، فما سمعناه من قبل، ولا نزال نسمعه، من أن الأساتذة يصابون بالرعب أحياناً من تهديدات تلاميذهم المستقوين بمراهقتهم وغضبهم، يقلقنا بينما نحن على نفس الوتيرة نُحوقل ونتردد في سن أو تفعيل القوانين التي تضبط سلوك كل طالب وتعاقبه في حال ارتكب خطأ أو جرماً ما في حق أستاذه. وهذا يعني أن مدراسنا، المتوسطة والثانوية، أصبحت أماكن للحذر والتربص بدلاً من أن تكون أماكن للطمأنينة والاحترام المتبادل بين الجميع، طلبة ومدرسين. ولذلك نحن بحاجة الآن لأن نعيد صياغة علاقة الطالب الصغير والكبير بالأستاذ من خلال الأنظمة وآلياتها وتطبيقاتها وليس من خلال الأماني والرجاءات. نريد أن تبقى المدرسة مدرسة للتعليم وإثارة الفكر والإبداع وليس لغرس هذه الفكرة (الخاصة) أو تلك.. ونريد أن تختبر عقول ونفوس المدرسين والمدرسات قبل أن يُسلموا زمام الفصول والمناهج ورؤوس وأجساد الكبار والصغار، فليس ثمة غير التعليم نراهن عليه ونطمع طمعاً كبيراً أن تتمتع حواضنه بصحة العقول وسلامة النفوس والأبدان.
مشاركة :