غالبا ما تثار فضائح تتعلق بمعاداة السامية في ألمانيا، ويصبح الأمر أكثر حرجا حينما يتعلق الأمر بمعاداة إسرائيل. وبين إسرائيل وألمانيا علاقة مميزة، خصوصا بسبب مسؤولية ألمانيا التاريخية عن إبادة اليهود إبان الحكم النازي. تتعامل ألمانيا بحساسية أكبر مع موضوع معاداة السامية وإسرائيل نظرا لمسؤوليتها التاريخية عن جرائم النازية وإبادة اليهود معاداة السامية تعد تهمة كبيرة في ألمانيا. هذا البلد المسؤول عن الإبادة الجماعية لليهود في أوروبا قبل ثمانين عاما، المسؤول عن معسكرات الاعتقال وإبادة 6 ملايين من اليهود. لذلك فإن الرأي العام في ألمانيا يتعامل بحساسية أكبر مع مسألة كراهية اليهود. لكن رغم ذلك، فإن ظاهرة معاداة السامية لم تختف من ألمانيا. ففي عام 2020 سجلت الدوائر الرسمية أكبر عدد من جرائم معاداة السامية منذ البدء بتوثيقها عام 2001. إنكار المحرقة ممنوع في ألمانيا، والشتم أو الاعتداء على اليهود يمكن معاقبته كجريمة تحريض، وكذلك حرق العلم الإسرائيلي في مظاهرة معادية لإسرائيل يعتبر جريمة يمكن ملاحقتها قانونيا. أشكال معاداة السامية معاداة السامية يتجلى التعبير عنها بأشكال كثيرة. فهناك التصورات الدينية القديمة جدا المعادية لليهود والتي تعود إلى بدايات المسيحية. حيث يتهم اليهود بارتكاب جرائم "قتل طقوسية" بدماء أطفال مسيحيين. وهناك ما يسمى بـ "معاداة السامية الاجتماعية"، ومنها أساطير المؤامرة مثل "الثري اليهودي" الذي يمسك بالخيوط ويتحكم بها من الخلف. ومنذ تأسيس إسرائيل هناك معاداة السامية "الحديثة"، وهي تلك المتعلقة بإسرائيل. لكن وفي الأساس، فإن كل أشكال معاداة السامية لها نفس الدافع. وتشير أنيتا كاهاني، مديرة مؤسسة أمادو أنطونيو الألمانية للحقوق المدنية، إلى علامات مميزة لكل أشكال معاداة السامية وكراهية إسرائيل: وهي أنها كلها أوهام ولا علاقة لها بالحياة اليهودية في الواقع. إذ تنسب لليهود قوة مطلقة ويتم تحميلهم مسؤولية كل شرور العالم! وهكذا يصبحون كبش فداء. وبالإضافة إلى ذلك فإن معاداة السامية غالبا ما تشمل هوس (تخيلي) الإبادة. وتلخص كاهاني معاداة السامية المتعلقة بإسرائيل بالقول: "كراهية إسرائيل ضمن سياق معاداة السامية، لها نفس تأثير كراهية اليهود". كثيرا ما تتم معاداة السامية وكراهية اليهود تحت غطاء انتقاد إسرائيل وسياستها انتقاد إسرائيل وفي حال معاداة السامية المتعلقة بإسرائيل يثور الجدل والخلاف حول الفرق والحدود بين ما يسمى بانتقاد إسرائيل وكراهيتها أو كراهية اليهود. مثال على ذلك ما يوضحه "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" بالمثال التالي: "مقارنة سياسة إسرائيل الحالية بسياسة النازيين". ولهذا حاولت منظمة "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" وضع تعريف لمعاداة السامية، إذ يمكن "أن تكون تجليات معاداة السامية موجهة لدولة إسرائيل أيضا، حين ينظر إليها كجماعة يهودية. علما بأن انتقاد إسرائيل مثلما يتم انتقاد الدول الأخرى لا يمكن تقييمه كمعاداة للسامية". تجدر الإشارة إلى أنه تم تبني تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" لمعاداة السامية من قبل الأوساط العلمية ومن الحكومة الألمانية والبرلمان الأوروبي أيضا. ولكن هناك انتقادات أيضا لهذا التعريف، وخاصة من الوسط الثقافي، حيث هناك من يخشى أن يتم تضييق مجال انتقاد إسرائيل. كما أن هناك تعريفات أخرى يمكن أن تساعد في معرفة معاداة السامية المتعلقة بإسرائيل، فبموجب قاعدة 3D يكون انتقاد إسرائيل معاداة للسامية إذا تم "شيطنتها أو نزع الشرعية عنها أو لدى ازدواجية المعايير". وهذا يعني مثلا إذا تم إنكار حق إسرائيل في الوجود أو إدانة سلوك إسرائيل وفق معايير مختلفة لدى إدانة سلوك الدول الأخرى. التطبيق العملي صعب لكن ماذا يعني كل ذلك في الواقع؟ هناك خلاف على الأمر. فهل المطالبة بحق العودة لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني، هو في الواقع المطالبة بنهاية إسرائيل وبالتالي إنكار حقها في الوجود؟ بعض الخبراء يجيبون بنعم. لكن البعض الآخر لا يرى الأمر كذلك، لأنه وقبل كل شيء فإن حق العودة يعتبر جوهر الهوي الفلسطينية. كذلك فإن مساواة الصهيونية بالعنصرية على نطاق واسع، يراه البعض معاداة للسامية حسب تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست". فهم يرون أن ذلك هو وضع دولة بكاملها رهينة، وشيطنتها بما يتجاوز المعايير المعتادة التي تطبق على بلدان أخرى تعاني من مشاكل العنصرية. ميركل في آخر زيارة لها لتل أبيب ، في النصب التذكاري "ياد فاشيم" لضحايا محرقة النزية لليهود (الهولوكوست) في القدس. والحقيقة فإن معاداة السامية تتم مراقبتها بدقة شديدة في ألمانيا أكثر مما في أي بلد آخر. فمشاركة مذيعة تلفزيونية في مظاهرة يتم فيها رفع شعارات معادية للسامية ، تعتبر مسألة سياسية. كذلك تتم مراقبة حركة مقاطعة إسرائيل عن كثب وبدقة، أكثر مما في أي بلد آخر. وهذا كله له علاقة مباشرة بتاريخ ألمانيا. فقد استغرق الأمر وقتا طويلا جدا حتى أقامت إسرائيل وألمانيا علاقات دبلوماسية رسمية، حيث كانت هناك في إسرائيل تحفظات كثيرة على إقامة علاقات مع "بلد الجناة" (في إشارة إلى فترة حكم النازيين وقتلهم ملايين اليهود). لكن مع مرور الوقت أصبحت هناك علاقات وثيقة جدا بين إسرائيل وألمانيا في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية. وفي آخر زيارة رسمية لها إلى إسرائيل أكدت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل على أن الأمر لا يتعلق بعدم الحياد، وإنما يتعلق "باتخاذ موقف واضح لصالح أمن إسرائيل، مهما كان الوضع صعبا". ميركل كانت قد أكدت بوضوح في زيارة لها لإسرائيل في عام 2008 أن أمن إسرائيل من ثوابت الدولة في ألمانيا. ليزا هينل/ ع.ج
مشاركة :