الجرائم الصهيونية المسكوت عنها

  • 11/13/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

منذ احتلال الضفة الغربية، وإعلان إسرائيل ضم القدس الشرقية سنة 1967 توالى التصدي بالصدور العارية لقوات الاحتلال، رغم تزايد أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين، وتصاعد إجراءات القمع الصهيونية. غير أن ما تشهده القدس وبقية نواحي الضفة المحتلة منذ انطلاق انتفاضة أطفالها من الجنسين، في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية بسكاكين مطابخ أمهاتهم غير مسبوق، سواء على صعيد قوة التصدي الفلسطينية أو على صعيد إجراءات القمع الصهيونية. فقوة التصدي الفلسطينية في مواجهة آلة حرب تعد الخامسة عالمياً، أطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم الخامسة عشر. وفي العمل على قمعهم اعتمدت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية القتل على الشبهة وليس اعتقال الطفل أو الطفلة المشتبه بحمل أحدهم سكين مطبخ، ومنع سيارات الإسعاف من إنقاذ الجريح منهم، وتركه ينزف حتى استشهاده، وقد التف حوله نفر من الصهاينة يمطرونه بأقذع الشتائم، والاحتفاظ بجثامين الشهداء أياماً، وقيل إنه جرى انتزاع بعض أعضائهم قبل تسليمهم لذويهم. صحيح أن الجرائم الصهيونية بحق أطفال انتفاضة سكاكين مطابخ الأمهات لقيت إدانات متزايدة عالمية وعربية. إلا أنها لم تواجه بمواقف رادعة من ذوي القدرة على التأثير تضطر صناع القرار الصهيوني لوقف عدوانهم الآثم ليس فقط على أطفال فلسطين، وإنما أيضا على القيم والأعراف الإنسانية. ولما كان السكوت في معرض الحاجة بياناً فإن سكوت القادرين على التأثير في التصدي الفاعل يجعلهم مشاركين للقيادات الصهيونية في جرائمها المجمع على إدانتها. غير أن السكوت عن الجرائم والتجاوزات الصهيونية ليس جديداً، ولا هو بالأمر المحدث، وإنما هو قديم يعود إلى لحظة إصدار مجلس الدولة الإسرائيلي المؤقت ما أسماه إعلان الاستقلال ليلة 15 مايو / أيار 1948، وتواصل على مدى السنوات التالية. إذ بعد إحدى عشرة دقيقة من إشهار إعلان استقلال إسرائيل غادر الرئيس الأمريكي ترومان فراشه في الثالثة صباحاً، ونزل بملابس نومه ليصدر بيان اعتراف الإدارة الأمريكية بدولة إسرائيل، متضمناً ما نصه: لقد أُخطرت الحكومة بأن دولة يهودية قد أُعلن قيامها في فلسطين، وقد طلبت الحكومة المؤقتة لهذه الدولة الاعتراف بها، والولايات المتحدة تعترف بالحكومة المؤقتة بصفتها السلطة القائمة في دولة إسرائيل الجديدة. ولم يكن الرئيس الأمريكي يجهل أنه يعترف بدولة ليس لها دستور يبين حدودها، أو ينص على حقوق والتزامات سكانها، ما يضمن حقوق الأقلية العربية منهم، ولا هي ملتزمة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1948 المنشئ لها، فضلاً عن أنها لم تكن"دولة يهودية" لا من حيث الأرض ولا من حيث السكان. إذ كان المواطنون العرب الذين فرضت عليهم دون أن يختاروا ذلك يمتلكون معظم الأرض التي أقيمت عليها ولا يقلون حينها عن 25 % من سكانها. ولم يلبث الاتحاد السوفييتي أن أعلن اعترافه ب إسرائيل وتوالت اعترافات دول المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي وأغلبية دول أمريكا اللاتينية. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد طلبت من محكمة العدل الدولية بيان الشروط الواجب توفرها في الدولة طالبة عضوية الأمم المتحدة. فأجابت في 28/5/1948 بأنه يشترط في قبول أي دولة أ ن تكون مستقلة، ومحبة للسلام، وقابلة بميثاق الأمم المتحدة، ومستعدة للالتزام به، وقادرة على الوفاء بذلك. وبرغم عدم توفر أربعة من شروط القبول الخمسة لدى إسرائيل، حين تقدمت بطلب العضوية لمجلس الأمن الدولي. فاز طلبها، بتأثير المساندة الأمريكية، بأغلبية 9 أصوات، مقابل معارضة مصر، وامتناع بريطانيا عن التصويت. وعند مناقشة الجمعية العامة للأمم المتحدة الطلب الإسرائيلي، المحال إليها من مجلس الأمن، أصدرت في 11/5/1949 القرار 273 بقبولإسرائيل عضواً في المنظمة الدولية، متضمنا القول إن الجمعية العامة للأمم المتحدة تقرر أن إسرائيل دولة محبة للسلام، راضية بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة في ذلك. وقد فاز القرار بقبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة بأغلبية 37 عضواً يمثلون دول المعسكر الرأسمالي وأغلبية دول المعسكر الاشتراكي، وأغلبية دول أمريكا اللاتينية، ومعارضة 12 عضواً يمثلون الدول العربية والإسلامية الأعضاء في الأمم المتحدة، والهند وبورما وأثيوبيا، وامتناع 9 أعضاء عن التصويت بينهم بريطانيا والبرازيل والسويد وتركيا واليونان. وبهذا يكون مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة قد أرسيا لدى صناع قرار التجمع الاستيطاني الصهيوني التصور بأن عدم التزامهم بالقرارات والقوانين والأعراف الدولية وعدوانهم على شعب فلسطين واغتصاب حقوقه المشروعة، كما العدوان على بقية الشعوب العربية كل ذلك، غير خاضع للمساءلة والمحاسبة إذ لها من يحميها في المجتمع الدولي. ولا يعود هذا التميز للكيان الصهيوني لفعالية جماعات الضغط اليهودية، التي لا تنكر في دوائر صناعة قرار الدول الأشد تأثيراً في المجتمع الدولي، حسب الظن الشائع والمروج له في أجهزة الإعلام الدولية والعربية الناقلة عنها وإنما هو بالدرجة الأولى والأهم للموقع الاستراتيجي الذي يحتله الكيان الصهيوني في قلب الإقليم العربي، فاصلاً جناحه الشرقي عن الغربي، وعلى تخوم مصر صاحبة الدور التاريخي في تصدي الأمة العربية للغزاة من الشرق الآسيوي جاءوا أم من الغرب الأوروبي. ذلك لأن المصالح الاستعمارية هي المحدد الأول لمواقف القوى راعية المشروع الصهيوني على جانبي الأطلسي. ففي أعقاب العدوان الثلاثي سنة 1956 أعلن رئيس وزراء إسرائيل ابن غوريون ضم سيناء. ولكن ايزنهاور الذي كان طامحاً لوراثة انجلترا وفرنسا واحتواء ثورة مصر بقيادة عبد الناصر أمره بالانسحاب الفوري من سيناء وقطاع غزة فأذعن صاغراً. ولقد بات جلياً أن القوى الصانعة والراعية للكيان الصهيوني لم تقمه فقط ليكون وطناً قومياً لفقراء اليهود الذين ضاقت بهم أوروبا، وإنما أيضا لكي يشكل حاجزاً بشرياً غريباً عن العرب يفصل بين المشرق والمغرب العربيين، ليمنع تحرر العرب ووحدتهم وتجاوزهم التخلف الموروث. وهذا ما انتهى إلى تقريره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأركان النظام بمصر مطلع العام 1954 - كما يذكر د. محمد السيد سليم، في كتابه التحليل السياسي الناصري. وبرغم تواصل الدعم العسكري والسياسي والمالي الأمريكي للكيان الصهيوني توالت انتفاضات شعب فلسطين مدعومة بقوى الممانعة العربية. وليست انتفاضة أطفال سكاكين المطابخ المتواصلة إلا الجولة الجديدة من جولات صراع الوجود واللاوجود مع الكيان الصهيوني. admin@afcocpa.ae

مشاركة :