الانتقال من التعافي إلى النمو المستدام

  • 12/15/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

انعكس ارتفاع الأداء الاقتصادي واتساع أشكال التعافي على أغلب نشاطات الاقتصاد الوطني خلال العام الجاري، على إجمالي الإيرادات بنموها سنويا بنسبة 19 في المائة، واستقرارها عند مستوى 930 مليار ريال، إضافة إلى التطورات الإيجابية التي شهدتها أسواق النفط، ووصل متوسط سعر النفط "برنت" إلى نحو 69.5 دولار للبرميل حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أسهمت في ارتفاع الإيرادات النفطية بنحو 35 في المائة. ومع توقعات استمرار مشاهد التعافي لأغلب نشاطات الاقتصاد الوطني، وتحسن أداء الأسواق العالمية على رأسها أسواق النفط، إضافة إلى الاستمرار في تنفيذ المبادرات التي تم إقرارها خلال الأعوام الماضية، كما توقعت الموازنة الحكومية وصول إجمالي الإيرادات خلال العام المالي المقبل 2022 إلى نحو 1.05 تريليون ريال، وأن تسجل نموها السنوي للعام الثاني على التوالي بنحو 12.4 في المائة مقارنة بالنتائج المتوقعة للعام المالي الجاري. كما قدرت الموازنة أن يصل إجمالي المصروفات الحكومية للعام المالي الجاري بأعلى من 1.0 تريليون ريال، وهو المستوى من الإنفاق الذي يتجاوز ما تم اعتماده في الموازنة نهاية العام المالي الماضي بنحو 2.6 في المائة، وأدنى مما تم صرفه فعليا خلال العام الماضي بنحو 5.6 في المائة، ويعزى ارتفاع إجمالي المصروفات الحكومية خلال العام الجاري إلى عوامل رئيسة عديدة، لعل من أهمها ما ارتبط من بنود الإنفاق الحكومي بإجراءات التصدي لتداعيات الجائحة العالمية كوفيد - 19 التي شملت مصروفات شراء اللقاح، وتوسيع التغطية العمرية للمشمولين به، ورغم توقعات وزارة المالية بارتفاع النفقات الفعلية مقارنة بالمعتمد لها، إلا أنها ما زالت أدنى بنحو 60 مليار ريال مقارنة بالأداء الفعلي للعام المالي السابق. تتيح القراءة المتوازنة والمتأنية على حد سواء لأداء الميزانية العامة، ضمن الإطار الأوسع الذي يأخذ في الحسبان الأداء الاقتصادي الكلي، والنتائج المتوازنة التي تحققت سواء على مستوى الأداء المالي الذي نجح في خفض العجز المالي الفعلي للعام المالي الجاري (85 مليار ريال) بنحو 40 في المائة، مقارنة بما كان مقدرا لها من عجز (141 مليار ريال)، ودون التأثير سلبا في دور ومساهمة الإنفاق الحكومي في دعم الأداء الاقتصادي الكلي، الذي سجل معدلات نمو متصاعدة وصلت إلى تمكن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من النمو الحقيقي بنحو 1.8 في المائة حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الحقيقي بمعدل 5.4 في المائة، مدعوما من النمو الحقيقي الجيد للقطاع الخاص الذي سجل نموا بنحو 7.0 في المائة، في إشارة حقيقية إلى ارتفاع وتيرة التحسن التي بدأت تشهدها الأنشطة الاقتصادية المختلفة عموما، وذلك رغم تراجع الناتج المحلي الإجمالي النفطي الحقيقي بنسبة 3.4 في المائة خلال الفترة نفسها، نتيجة للخفض الطوعي لإنتاج المملكة من النفط الخام. كل هذا دعا إلى رسم توقعات أن ينهي الاقتصاد الوطني العام الجاري على نمو حقيقي يصل إلى 2.9 في المائة، مدفوعا من توقع ارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الحقيقي بنحو 4.8 في المائة، وتوقع ارتفاع معدل التضخم للعام نفسه بنحو 3.3 في المائة، مع الأخذ في الحسبان تراجع أثر زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة، التي تم العمل بها مع مطلع النصف الثاني من العام الماضي. ولا يقف المشهد الاقتصادي العام عند ما سبق فحسب، بل يمتد إلى تحسن أداء مؤشرات الاستثمار الخاص الناتج عن استعادة النشاط الاقتصادي قدرا جيدا من التعافي بشكل ملموس، الذي تم تأكيده من الأداء الجيد لمؤشر مديري المشتريات PMI، الذي يعبر عن مناخ الأعمال للاقتصاد غير النفطي بوصوله إلى 57.7 نقطة مع نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو ما يعني تمكنه من النمو سنويا بنسبة 13.1 في المائة، وبما يؤكد حالة التحسن التي بدأ القطاع الخاص غير النفطي ينتقل إليها تدريجيا. كما انضم إلى ما تقدم ذكره من مؤشرات اقتصادية إيجابية ما أظهره معدل البطالة للسعوديين من تراجع مع نهاية الربع الثاني الماضي إلى 11.3 في المائة، مقارنة بمستواه خلال الربع الأول من العام نفسه 11.7 في المائة، ومقارنة بأعلى مستوى وصل إليه قبل عام كامل عند 15.4 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الماضي، وتزامنت تلك التراجعات اللافتة لمعدل البطالة مع ارتفاع معدل التوطين في القطاع الخاص حتى وصل إلى 23.6 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، وارتفاع أعداد العمالة المواطنة بمعدل سنوي بلغ 3.8 في المائة إلى نحو 1.83 مليون عامل في مختلف منشآت القطاع الخاص، ويقدر أن يتجاوز أعدادهم سقف 2.0 مليون عامل لأول مرة في تاريخ سوق العمل في القطاع الخاص بنهاية العام الجاري. إنه المنظور الأوسع ماليا ثم اقتصاديا الذي لا بد من الاعتماد عليه أمام ما شهدته وتشهده المملكة، أخذا بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة العالمية كوفيد - 19 على مدى عامين متتاليين، وما اقتضته السياسات والجهود المبذولة لأجل العودة المتدرجة للنشاطين الاقتصادي والاجتماعي إلى مستويات ما قبل الجائحة العالمية، التي استطاعت بموجبها الحكومة التعامل الحصيف مع مختلف تلك المتغيرات الاستثنائية، والاعتماد على تبني سياسات متوازنة انطلقت من تقديم الدعم اللازم والقوي للقطاعين الصحي والخاص، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية المحافظة على الاستدامة المالية في الأجلين المتوسط والطويل. وهو بالفعل ما انعكس إيجابيا بصورة كبيرة على تعافي الاقتصاد المحلي الذي شهد نموا متسارعا في عدد من الأنشطة الاقتصادية. وهو الأمر الذي أخذته المالية العامة على عاتقها وفقا لما أعلنته في موازنة 2022 بأنها ستستمر في دعم مرحلة ما بعد الجائحة، وفي الوقت ذاته استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية، الهادفة إلى تعزيز النمو الاقتصادي والاستدامة المالية معا في الأجل المتوسط، والعمل المستمر والدؤوب على تقوية المركز المالي للمملكة للتعامل الكفء مع أي صدمات خارجية محتملة. وتعتمد الميزانية على ثلاث ركائز رئيسة: (1) ضمان الاستدامة المالية العامة من خلال تعزيز الإيرادات غير النفطية وضبط النفقات. (2) تمكين القطاع الخاص من خلال برامج مخصصة لدعم نشاطه وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطني، إضافة إلى المشاريع والبرامج التي تقوم بها الصناديق التنموية. (3) تنفيذ إصلاحات هيكلية أوسع، ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية تسهم في تعزيز ديناميكية الاقتصاد ومواكبته للمتغيرات العالمية المتسارعة.

مشاركة :