تراث نجيب محفوظ يثير جدلا جديدا في مصر

  • 12/21/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثار حصول مكتبة «ديوان» المصرية للنشر على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ جدلا واسعا في أوساط ثقافية عديدة. ووضعت الدار نفسها في مرمى نيران الانتقادات بعد أن عبّرت عن استعدادها لتنقيح أعمال محفوظ وإعادة تقديمها للجمهور. وطرحت دوائر ثقافية أسئلة مفادها ما إذا كان لدار النشر الحق في تصويب أو تعديل أي نصوص إبداعية؟ وهل تفتح المجال أمام المزيد من تدخلات الناشرين في الإبداع؟ القاهرة- أعلنت دار “ديوان” للنشر التي حصلت على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ أن لديها خطة لنشر أعمال الأديب الراحل تباعاً مع بداية مايو المقبل، وسوف تصدر الأعمال بعد مراجعة دقيقة لكل طبعات الروايات السابقة للوصول إلى الصيغة النهائية الخالية من أي محذوفات لأسباب رقابية أو لأسباب أخرى أو أخطاء مطبعية، وسيتم طرحها في أفضل صورة للقارئ وبأسعار مناسبة، وستشكل لجنة من كبار النقاد المصريين من أجل إنجاز المهمة لتصدر لأول مرة طبعة محققة. وانقسم الوسط الثقافي المصري في الأيام الماضية بين فريقين، يؤمن الأول بأن شراء حقوق النشر لا يمنح الناشر ولا ورثته حق تعديل أو تنقيح الروايات باعتبارها حقوقاً فكرية مملوكة فقط لكاتبها، والدولة مسؤولة عن حماية الإرث الأدبي والثقافي من أي تعديلات أو إضافات أو محذوفات وإن كانت لغوية. وذهب الرأي الآخر إلى التأكيد على أن صدور طبعات جديدة من أعمال محفوظ تخدم حماية تراثه، ومراجعة الأخطاء التي وردت في طبعات سابقة تعد أمرا ضروريا، وإقدام دار النشر على إعادة نصوص محذوفة بسبب الرقابة أو لوجود أخطاء في طبعات سابقة يحافظ على الإنتاج الثقافي ويجعل هناك فرصة أكبر لوصول تلك الأعمال إلى أجيال جديدة بشكل يجذبها. سوء فهم أدبي طارق الطاهر: من خلال متابعتي ودراستي لأعمال محفوظ يظل حتى هذه اللحظة سيرة منقوصة يؤكد رئيس تحرير جريدة “أخبار الأدب” سابقًا طارق الطاهر أن الأزمة الأخيرة ناتجة عن سوء تفاهم، لأن ما تقصده مكتبة “ديوان” بفكرة التنقيح يرتبط بأن أعمال نجيب محفوظ السابقة كانت فيها بعض الأخطاء المطبعية وبعضها تم اجتزاؤه، وهو ما أشار إليه البعض من النقاد بوضوح في مرات عديدة، والدار قصدت أنها ستتيح الأعمال دون رقابة عكس ما رأى البعض بأن ذلك رقابة جديدة على إنتاجه الأدبي. ويضيف في تصريح لـ”العرب” أن “الأزمة تعود إلى أنه في الفترة التي سبقت إعلان أسرة نجيب محفوظ عن حصول ‘ديوان’ على حقوق النشر كان هناك جدل آخر طويل حول الدار التي سيكون لديها هذا الحق، وجرى الحديث عن حصول دار نشر عربية عليه، ما أغضب البعض من محبيه، وابنته (أم كلثوم) أنهت هذا الجدل بالاتفاق مع دار نشر مصرية”. ويقول الطاهر “من خلال متابعتي ودراستي لأعمال محفوظ يظل حتى هذه اللحظة سيرة منقوصة، والمزيد من الدراسات حول أعماله وتاريخه قد تقودنا إلى كشف ما هو جديد عنه، حينما تتم تهيئة طبعات جديدة وتقديمها إلى الجمهور من الممكن أن تكون هناك قراءة نقدية جديدة تضاف إلى ما قدمه”. ويشير إلى أنه من حق دار النشر أن تُدخل تعديلات على الأخطاء اللغوية بعد أن أضحى هناك ما يسمى بـ”المحرر الأدبي”، وذلك قد لا ينطبق على محفوظ، لكن بوجه عام فإن تدخل دور النشر لتصحيح الأخطاء النحوية من الأمور الواجبة وليس فقط جائزا، إلا إذا كان الناشر يقصد من هذا الخطأ المتعمد إظهار تركيبة لغوية ما. يتفق البعض من المثقفين على أن الاتجاه إلى دار نشر جديدة من أجل إعادة تقديم أعمال نجيب محفوظ يسهم بشكل غير مباشر في الاهتمام بما قدمه سابقًا، ولعل إعلان ابنته عدم نيتها تجديد عقد النشر لدار “الشروق” دفع الأخيرة إلى إصدار أعماله الكاملة بأغلفة جديدة للفنان أحمد اللباد. من وجهة نظر هؤلاء فإن الدولة لا يحق لها التدخل طالما لم يكن هناك اعتداء يخل بالإنتاج الثقافي وكانت هناك رغبة في تقديم الأعمال بصورة أكثر دقة من ذي قبل. طالبت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبدالدايم بأن تتمّ عملية تشكيل اللجان المختصة بمراجعة أعمال نجيب محفوظ بالتنسيق مع وزارتها، وبرّرت ذلك -في رد أرسلته إلى الكاتب الصحافي حمدي رزق الذي تناول القضية في مقاله بصحيفة “المصري اليوم”- قائلة “لأن ذلك سيضمن إجراء المراجعة بشكل مهني عالٍ ويعطي مصداقية للعمل لأنه يتم بالتنسيق مع وزارة الثقافة”. ويذكر أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة حسين حمودة أن كلمة “تنقيح” ليست المصطلح الأنسب في هذا السياق، وما ذهبت إليه دار النشر يتعلق بتصحيح بعض الأخطاء المحدودة في بعض طبعات أعمال نجيب محفوظ، وهذه الأخطاء ملحوظة في عدد من الطبعات المتأخرة التي أصدرتها “مكتبة مصر”، بعد أن توقف سعيد جودة الصحار (وهو مالك مكتبة مصر) عن مراجعة الأعمال عند طباعتها. ويقول في تصريح لـ”العرب” إنه “لا مجال هنا لتغيير نصوص نجيب محفوظ على أي مستوى من المستويات، الأمر ينحصر فقط في تصويب الأخطاء الطباعية، وأحيانا الأخطاء النحوية التي كان يقوم بها بعض المصححين، وقد لاحظت أن بعض هؤلاء المصححين قاموا بتصويبات خاطئة، بمعنى أنهم وجدوا جملاً سليمة نحوياً لكنهم أعادوا كتابتها بطريقة خاطئة وتصوروا أنهم يقومون بتصويبها”. وسبق أن رصد بعض الباحثين 177 خطأ في طبعات رواية “السمان والخريف” و60 خطأ في طبعات “أصداء السيرة الذاتية”، وعددا كبيرا من الأخطاء في رواية “فترة النقاهة”، كما أن أعمال نجيب محفوظ التي صدرت قبل سنوات عن سلسلة “الكتاب الذهبي” تعرضت لاعتداءات رقابية صريحة. مخاوف من التعديلات حسين حمودة: لا مجال هنا لتغيير نصوص نجيب محفوظ على أي مستوى من المستويات يلفت حسين حمودة، الذي كان قريبا من الأديب الراحل نجيب محفوظ، إلى أن “كلمة تنقيح تعني تعديل أو تغيير النص، وهذا ليس وارداً على الإطلاق بالنسبة إلى نصوص محفوظ التي يجب أن تنشر بحذافيرها كما كتبها هو، وأي دار نشر يجب أن تلتزم بما كتبه ولا يمكن أن تعطي لنفسها الحق في إعادة صياغة ما كتب”. وتابع “التصويب أو التدقيق على الأخطاء الطباعية أمر مطلوب ومحمود دائما، والتصويب على مستوى اللغة والنحو هو التزام بما كتبه كُتاب بقامة محفوظ يعرفون أسرار اللغة وقواعد النحو أكثر مما يعرفها المصححون الذين قاموا بتخطئة الصواب الذي التزم هو به دائما”. وفي المقابل يخشى العديد من المثقفين أن يكون الحديث عن التنقيح بداية لإدخال تعديلات تراها دار النشر منطقية وتستهدف مواكبة التطورات أو لتوجيهها إلى فئات الشباب والأطفال كما هو الحال بالنسبة إلى النسخ الروائية المُيسرة التي أطلقتها إحدى دور النشر لعدد من أعمال نجيب محفوظ التاريخية، ومنها “كفاح طيبة” و”رحلة بن فطوطة” و”عبث الأقدار” التي أثارت جدلاً بتغيير اسمها إلى “عجائب الأقدار”. يتساءل الكاتب والأديب أحمد الخميسي من الذي يملك حق مراجعة إبداع نجيب محفوظ؟ وهل في إبداع أديب نوبل ما يستوجب التنقيح؟ مشيراً إلى أنه ليس من حق دار النشر أو وزارة الثقافة أو أي جهة إدخال تعديلات ولو كانت حرفاً واحداً على ما كتبه أي مبدع، وما يحدث حاليًا غير مسبوق على مستوى الأدب العالمي. ويوضح لـ”العرب” أن “نجيب محفوظ أفنى عمره كله لدراسة اللغة وتطويرها وتطويعها لصالح النص الأدبي وكان شديد الاهتمام بالدقة، ويعي تماماً كل حرف كتبه وليس كغيره من هواة الاستسهال في الكتابة، بالتالي ما يحدث حاليا جرأة غير طبيعية على الإنتاج الثقافي لصاحب نوبل، وتطاول على القامات الأدبية”. وأبدى الخميسي تعجبه من صمت اتحاد الكتاب في مصر عما أفصحت عنه دار النشر، ومواقف المثقفين الذين غاب عنهم التنسيق بشأن التعامل مع مشكلة قد تشكل تهديداً مستقبلاً لإنتاجهم الإبداعي، كما أن هناك فصلا واضحا بين الملكية الفكرية لأعمال محفوظ التي تكون من حق عائلته وبناته وبين الملكية الأدبية التي هي ملك للقراء والمجتمع، وفي ظل غياب الخطوط الفاصلة يبقى التاريخ الأدبي مهددا. ويشير إلى أن الحديث عن وجود أخطاء لغوية في أعمال نجيب محفوظ لا يمنح دار النشر الحق في تعديلها، لأنه قد يكون قصد هذه الأخطاء كما هو الحال بالنسبة إلى الروائي والأديب يوسف إدريس الذي أصر على أن تكون أعماله القصصية بعنوان “أرخص ليالي” وليس “ليال”، وأن دار النشر ليس من حقها أن تتدخل في أخطاء الكاتب التي تعد جزءاً رئيسيًا من إبداعه. أعمال محفوظ مازالت سيرة منقوصة والدراسات حول أعماله وتاريخه قد تقودنا إلى كشف ما هو جديد عنه كما أن الحديث عن أن بعض أعمال محفوظ جرى حذفها لأسباب رقابية لا يمنح الحق للتدخل فيها، إذ أنه قبل أن ينشر رواية “أولاد حارتنا” خارج مصر حينما اعترض عليها الأزهر، بالتالي فإن ما جرى حذفه أو تعديله كان بموافقته. ورصدت سلسلة “دراسات وتحقيقات” بعض الأخطاء وعمليات الحذف التي طالت أعمال نجيب محفوظ، واعتبرت أن هذه الأخطاء ليست مجرد بضعة أخطاء مطبعية أو نحوية، إنما هي أخطاء مقصودة، حيث تدخل ناشره وأجرى تعديلات ليتمكن من إدخال أعمال محفوظ إلى البلاد العربية التي كانت تحظر أعماله.

مشاركة :