اكتظت ساحة كنيسة المهد في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية بالسياح المحليين اليوم (الجمعة) إيذانا ببدء احتفالات أعياد الميلاد في أجواء من الفرحة والغبطة في مشهد مغاير لما كان العام الماضي. وتوافد مئات المحتفلين المحليين إلى ساحة المهد، التي أقيمت فيها شجرة الميلاد ملتقطين الصور الخاصة بجانبها، وارتدت بعض النسوة الزي التراثي الفلسطيني، بينما ارتدى الأطفال اللباس الجديد وقد طغى اللون الأحمر، وهو لون بدلة "بابا نويل" على المشهد في الساحة. وعبرت الطفلة جوليا بينما كانت ترتدي قبعة "بابا نويل"، وهي في طريقها بصحبة عائلتها إلى ساحة المهد لوكالة أنباء ((شينخوا)) عن سعادتها بالاحتفال بعيد الميلاد، معربة عن أملها في أن يأتي الاحتفال العام القادم وقد عم السلام الأراضي الفلسطينية. أما السيدة أم يوسف، وهي مسلمة كانت برفقة أطفالها في أحد شوارع المدينة فقالت لـ((شينخوا)) "نحن مسلمون ومسيحيون في بيت لحم نعيش بتآخ ونحتفل سويا بهذا العيد من دون النظر إلى الديانة". ومنذ ساعات الصباح قرعت فرق الكشافة الفلسطينية طبولها ومزاميرها في أزقة وشوارع المدينة التاريخية، التي ارتدت حلتها وازدانت شوارعها وأشجارها بالأنوار والمجسمات الملونة حتى استقرت الفرق في ساحة المهد. ولاحقا وصل موكب بطريرك القدس والأردن وسائر الديار المقدسة بيير باتيستا بيتسابالا، إلى ساحة المهد لأداء قداس منتصف الليل، وجرى استقباله من قبل عدد من الشخصيات الرسمية الفلسطينية وسط صيحات المحتفلين. وقال البطريرك للصحفيين في ساحة المهد إن "رسالتنا هي رسالة المسيح، المحبة والسلام، وبيت لحم اليوم جميلة بأهلها وهناك أجواء مفعمة بالعيد". ورغم ذلك إلا أن الفرحة كانت منقوصة بسبب غياب السياحة الخارجية عن الاحتفالات للعام الثاني على وقع انتشار مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، وسبق أن فرضت تداعيات الفيروس إغلاقا شاملا في محيط الكنيسة العام الماضي. وقال الأب إبراهيم فلتس مستشار حراسة الأراضي المقدسة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "أعياد الميلاد للعام الجاري صعبة على كل الأراضي الفلسطينية في ظل عدم حضور السياح والحجيج من مختلف دول العالم بسبب فيروس كورونا، لكن يجب التسلح بالأمل رغم كافة الصعاب". وتابع فلتس "نصلي من أجل أن تزول هذه الغمامة عن العالم بأسره، وأن يكون العام المقبل أفضل، يعم فيه السلام الحرية وينعم الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة". وشهدت ساحة المهد فعاليات مختصرة هذا العام على عكس العام الماضي، حيث لم تشهد الساحة أي فعاليات، في وقت جرى فيه بث الاحتفالات وأجواء أعياد الميلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رولا معايعة لـ((شينخوا)) إن أعياد الميلاد لهذا العام أقيمت فيها العديد من النشاطات والفعاليات الاحتفالية بخلاف العام الماضي الذي شهد إغلاقا كاملا. وذكرت معايعة أن احتفالات العام الجاري بدون سياحة خارجية رغم بدء استقبال الوفود السياحية الشهر الماضي، وذلك على وقع انتشار المتحور الجديد من فيروس كورونا "أوميكرون"، حيث تم إلغاء الحجوزات لهذا الشهر. وأشارت إلى أن السياحة الداخلية نشطة، حيث توافدت أعداد جيدة إلى بيت لحم وستصل أخرى من مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، لافتة إلى أن أعياد الميلاد تحمل معها الفرحة والأمل الذي يتسلح بهما الشعب الفلسطيني لإحياء مناسباته الدينية والوطنية. ومن المقرر أن يقام قداس منتصف الليل بحضور رجال الدين والقناصل والسفراء لدى السلطة الفلسطينية وشخصيات عربية، بينها وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، الذي وصل الضفة الغربية وأعضاء القيادة الفلسطينية. وانتشر منذ ساعات الصباح على مداخل ساحة المهد العشرات من أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتأمين وصول الشخصيات الدينية وتنفيذ إجراءات الوقاية والسلامة على الحاضرين. وقال مدير العلاقات العامة والإعلام في شرطة المدينة المقدم مصعب إسليمية، في بيان إن 550 عنصر أمن معززين بوحدة الحراسات في رام الله يشاركون في عملية تأمين احتفالات أعياد الميلاد، مشيرا إلى أن أعداد المحتفلين أقل نسيبا من الأعوام الماضية. وسبق أن زار أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سائح الأراضي الفلسطينية في العام 2019 ، غالبيتهم إلى بيت لحم، قبل أن يتم إغلاق المدينة على إثر اكتشاف أول الإصابات بفيروس كورونا في مارس من العام الماضي، بحسب إحصائيات رسمية. ولم يدخل المدينة منذ ذلك الوقت أي أفواج سياحية خارجية، إلا عدد قليل، ورغم استئناف العمل في معظم القطاعات في الأراضي الفلسطينية إلا أن مجال السياحة ظل شبه مغلق. وتوقفت أنشطة نحو 70 فندقا سياحيا في بيت لحم بشكل كلي تقريبا منذ تلك الفترة، ما أدى لارتفاع نسبة البطالة بصفوف سكان المدينة التي يعمل النسبة الأكبر منهم في مجال السياحة، بحسب مسؤولين محليين. كما أن المحال الحرفية البالغ عددها نحو 170 محلا جميعها مغلقة، إضافة إلى توقف نحو 100 مشغل حرفي من الحفر على الخشب والتطريز والزخرفة بسبب توقف حركة السياح. وفي مثل هذه الشهور من العام كانت نسبة إشغال الفنادق في بيت لحم تصل إلى نحو 90 في المائة، بحسب ما أفادت جمعية الفنادق في المدينة، فيما بلغ حجم الخسائر في القطاع السياحي حتى نهاية العام الماضي نحو 1.5 مليار دولار. وتعتبر مدينة بيت لحم وجهة لمسيحيي العالم لأنها تضم كنيسة (المهد) التاريخية التي بنيت على يد قسطنطين الأكبر عام 330 م فوق كهف أو مغارة ولد فيها السيد المسيح. ويعتقد أن كنيسة (المهد) هي أقدم الكنائس الموجودة في العالم، كما أن هناك سردابا آخر قريبا يعتقد أن القديس جيروم الذي كلفه البابا داماسوس أسقف روما العام 383 م بترجمة الأنجيل من الآرامية والعبرية إلى اللاتينية، قد قضى ثلاثين عاما من حياته فيه يترجم الكتاب المقدس. ووفقا لاتفاقية (أوسلو) التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل العام 1993 تم نقل السلطات المدنية والأمنية في المدينة إلى يد السلطة الفلسطينية في العام 1995.■
مشاركة :