أكد عدد من المثقفين أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي جعل الأدب الرديء يسيطر على الساحة الثقافية، إذ أسهمت هذه المواقع في انتشاره وتسيده الساحة، كما أصبح من النادر أن نرى مواهب أدبية جديدة رفيعة تبرز من خلالها، لأنها خلطت الغث بالسمين، بعد أن منحت حرية النشر للجميع، بصرف النظر عن مستوى كتاباتهم، بينما رأى البعض أن الخطر الأكبر يكمن في دور النشر التي أسهمت في توثيق هذا الأدب الرديء عبر نشرها الكتب دون التمعن في جودة محتواها، طالما أن أصحابها يدفعون تكاليف النشر ويحققون أرباحا للدور، ويبقى الرهان على القارئ في أن يلفظ الرديء ويتخلى عنه، ويتمسك بالرفيع ويحافظ عليه.صناعة التاريخقال الناقد والقاص عبدالجليل الحافظ: أسهمت مواقع التواصل في انتشار الأدب السيئ، لكن اللوم لا يقع فقط على مواقع التواصل، فهي جاءت وسمحت للجميع بأن ينشروا ما يكتبونه، سواء في ذلك الأدب الجيد أو الأدب الرديء، لأنها مفتوحة للجميع يكتبون ما يريدون بها دون الرقيب الموجود في المجلات والصفحات الأدبية في الصحف، وهذه المواقع أسهمت في شهرة كل رديء، لكنها لا تصنع تاريخا إنما هي بنت لحظة يضع الإنسان حالته أو تغريدته ويصفق له من معه، لكن الخطورة الأدبية تكمن في دور النشر التي أصبحت تنشر كل شيء مهما كان مترديا ما دام صاحب الأوراق المسطرة سيدفع التكاليف وأرباح الدار، وهنا تكمن الخطورة في أن هذه الرداءة تدون في التاريخ.استثناءات نادرةأما الشاعر والكاتب والروائي حمد حميد الرشيدي فيؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي خلطت الغث بالسمين فيما يتعلق بفتحها الباب على مصراعيه لكل من أراد أن يكتب أو يتكلم أو يتحدث أو يصور، ولذلك صار كل واحد منا بإمكانه أن يكون بمثابة «وكالة إعلامية» مصغرة لنفسه، يبث وينشر من خلالها ما يشاء، وصار مجال النشر واسعا لا حدود له، ومتاحا للجميع، وفي أي مكان من العالم، وليس بالنسبة لنا نحن سكان هذا الجزء منه، وهذا للأسف كان له أثر سلبي واضح انعكس على جودة ما ينشر عبر هذه المواقع، وصار المحتوى الذي تقدمه هابطا، لا يرتقي إلى المستوى المطلوب الذي ينشده المتلقي.وأضاف: لكن بالرغم من هذا كله، فهناك استثناءات لا يشملها كلامي هذا عن هذه المواقع والوسائل، إذ استطاع كثير من المبدعين والموهوبين أن يبرزوا من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يقدموا محتوى جيدا يرتقي بالوعي العام للناس ويسهم في بناء ثقافتهم، وكانوا قبل استخدام هذه الوسائل وتوفيرها لهم يعانون القطيعة مع الآخرين، وتجاهلهم من قبل مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، لكن لا يزال المحتوى الرديء مسيطرا بنسبة كبيرة على المحتوى الجيد فيما يخص مثل هذه المواقع والوسائل، وبشكل واضح.مجاملات الإنترنتوتحدث الشاعر مصطفى كحلاوي، قائلا: للأسف الشديد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار الأدب الرديء أو «اللا أدب»، فنحن نرى على وسائل التواصل مسرحية هزلية أو مجموعة من المهرجين يعلقون ويصفقون للثرثرة والكلام الفارغ، ناهيك عن الأخطاء الإملائية الكثيرة جدا.وتابع: كنا في الماضي نقول إن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة من السوق، الآن أصبح العكس، فالعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، ويجب أن يعرف رواد التواصل الاجتماعي أنه عالم افتراضي وليس حقيقيا، لكن للأسف.. الكثير من الناس يصدقون أنهم مبدعون ولكنهم أدعياء، ولهذا يجب علينا أن نوعي الشباب بالأدب الحقيقي عن طريق الاطلاع عليه للكتاب الكبار من خلال الكتب والمراجع الأدبية والعلمية، ويجب أن يعرفوا أن الثقافة الحقيقية من خلال الكتب والمراجع، لكن ما يحدث الآن هو مهزلة، فكل من يكتب كلمتين يظن أنه أديب، فالناس في مواقع التواصل الاجتماعي يجاملون بعضهم بعضا، وبالتالي يموت الأدب الحقيقي ويصبح الكلام الفارغ هو المتداول، ومن هنا تنهار الثقافة الحقيقية ويموت الإبداع الحقيقي في ساحة النفاق الاجتماعي، ويصبح الأدب الرديء هو العملة السائدة والمبدع يموت قهرا، فلو كتب مبدع حقيقي أدبا حقيقيا فلن يصفق له أحد، وبالتالي يموت الإبداع قهرا ويبقى الأدب السيئ هو سيد المشهد الثقافي.رهان القارئوتساءل الروائي والناقد محمد الحميدي: هل كان الأدب المنتشر قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي رفيعا بأجمعه؟ وأردف قائلا: الأدب اليوم اختلف، ففي الماضي النخب كانت تدير دفة الثقافة، لهذا ظهر الأدب أمام القارئ بلون واتجاه واحد، أما حاليا، فالمؤثرات عديدة، وساعد انفتاح الباب للتحدث والكتابة في انتشار نوع من الأدب ليس مألوفا، كما في أيام النخب، فنحن فعلا لا نستطيع الإجابة عن تساؤل من قبيل: هل أسهمت مواقع التواصل في انتشار وبروز أدب رديء؟ لكن ما يمكن أن نفكر فيه هنا، أن الأدب لم يعد كالسابق، إذ امتلك الكثيرون الحرية في الكتابة، دون التقيد بضوابط وقوانين الفنون، شعرية كانت أم نثرية، فما حدث أساسا هو نوع من الفوضى، بسبب تضاؤل سلطة المثقف النخبة وبروز المثقف الشعبي، وهي المشكلة البارزة التي تحتاج عناية وحلا، وفي ظني أن التمايز بين الكتابات سوف يبقى لفترة، لحين انكشاف الحقيقة أمام القارئ، وعندها سيلفظ الرديء ويتخلى عنه، ويتمسك بالرفيع ويحافظ عليه، فالرهان على القارئ ولا شيء آخر.المواقع «بنت لحظة لا تستمر».. ولا تصنع تاريخا أدبياالرهان يبقى على القارئ في التمسك بالرفيع والحفاظ عليهالمحتوى الجيد الذي يرتقي بالوعي العام للناس أصبح من النوادراختفاء النخبة وسيطرة المجاملات على المشهد قتلا الأدب الحقيقي
مشاركة :