يعتبر الاتحاد الأوروبي الذي لا يمتلك احتياطيات من الوقود الأحفوري رائد العمل المناخي على مستوى العالم الذي تبنى قانون المناخ الأوروبي، مستثمراً وصول بايدن للبيت الأبيض الذي انضم إلى الاتحاد الأوروبي لحشد تحالف دولي حول هدف رفع الطموحات المناخية بشكل كبير، خصوصاً وأن الاتحاد الأوروبي في ظل الصفقة الخضراء باعتبارها استراتيجية النمو التي تنتهجها أوروبا جنباً إلى جنب مع هدف خفض الابنعاثات بحلول عام 2030 بما لا يقل عن 55 في المائة والحياد الكامل في 2050. رغم أن تغير المناخ وما يترتب عليه من موجات جفاف مدمرة، ومجاعات، وفيضانات، ونزوح جماعي، لكن دون الأخذ بضوابط تحول الطاقة، فإنه يتحول إلى تسيس، خصوصاً وأن هدف الاتحاد الأوروبي ويسير في ركبه الأمريكي أيضاً، بهدف دفع الاعتماد بعيداً عن القوى التي تتحكم في الوقود الأحفوري، ويصدرونه إلى العالم، مثل دول أوبك بقيادة السعودية وروسيا، وحتى الصين والهند التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الفحم الحجري، والتوجه نحو استخدام تكنولوجيات المستقبل الأخضر ووقف الاستثمار في الوقود الأحفوري، وتوجيه هذه الاستثمارات نحو الوقود الأخضر، من أجل تحسين موقف الاتحاد الأوروبي على الصعيد الاستراتيجي، وخاصة في تقليل الاعتماد على الواردات من الطاقة خصوصاً استيراد الغاز من روسيا، ففي عام 2019 استورد الاتحاد الأوروبي 87 في المائة من حاجته من النفط، و74 في المائة من الغاز بقيمة 386 مليار دولار. يستفيد الاتحاد الأوروبي من تحقيق هذا التحول التخلص من قلق نقاط الاختناق الاستراتيجية، بدءا من مضيق هرمز، ومن بقية الممرات المائية الأخرى التي شغلت الخبراء الاستراتيجيين العسكريين عقوداً من الزمن، وفي الوقت نفسه تقل الأهمية الاستراتيجية للدول المنتجة للنفط، وقوتها الجيوسياسية، وأن يأذن التحول بقدوم عالم أقل انخراطاً في الصراع أو المنافسة الجيوسياسية كما يتصورون. لكن سيواجه الاتحاد الأوروبي أن قطاع النفط سيظل دائماً مرناً ومتكيفاً مع التقنيات الناشئة لتعزيز كفاءة وفاعلية عمليات الصناعة مثل الاستخراج والاستكشاف والنقل، خصوصاً أنه في الأساس ساعدت التكنولوجيا الصناعة النفطية على رفع معاييرها فضلاً عن تعزيز أوراق اعتمادها البيئية. فمثلاً السعودية تبني أول مدينة خالية من الكربون في نيوم، واتجهت نحو تأسيس صندوق للاستثمارات في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون الذي أطلقته خلال تبنيها لمجموعة العشرين في 2020 في الرياض، كإطار متكامل وشامل لمعالجة التحديات المترتبة على انبعاثات الغازات الدفيئة، وإدارتها بشتى التقنيات المتاحة، ويمثل هذا النهج طريقة مستدامة اقتصادياً لإدارة الانبعاثات باستخدام أربع استراتيجيات، هي: التخفيض، إعادة الاستخدام، التدوير والإزالة، وهي تختبر تقنية تجميد الكربون التي تعد أرخص تقنيات مواجهة غازات الاحتباس الحراري، وفي مؤتمر جلاسكو 2021 أعلنت عن إطلاق مشاريع لتخزين الكربون. لكن ما زال الحياد الكربوني عالقاً في أوروباً نفسها، ويعتمد بعض الأعضاء على الفحم، وعارضت بولندا لغة التخلص التدريجي من الفحم، لكنها قبلت حلاً وسطاً بلا هوادة، تاركة الباب مفتوحاً أمام تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه ونقل التجارب من السعودية. كما اعتزم البنك المركزي الأوروبي الاستثمار في الصندوق الجديد لبنك التسويات الدولي، الذي يمثل جزءاً من تحرك بنك التسويات لمساعدة البنوك المركزية في دمج القضايا البيئية بأنظمة رأس المال، لكن بعض أعضاء صناع السياسة النقدية دعوا إلى توخي الحذر من تعامل المصارف المركزية مع احتياجات التنمية المستدامة، والاقتصاد الصديق للبيئة، حين يأتي على حساب أدوات السياسة النقدية، بل إن رئيس البنك المركزي الألماني حذر من إعطاء الأوراق المالية الخضراء معاملة تفضيلية في برنامج المركز الأوروبي لشراء السندات، ثم يؤدي التحول نحو الاقتصاد الصديق للبيئة معتمداً على تطورات معدل التضخم. بل إن مواقف الشركات البترولية تبنت سياسات مبنية على تحول متوازن للطاقة، تأخذ بنظر الاعتبار الطلب المتصاعد للوقود الأحفوري، الأمر الذي يعني أن النفط والغاز سيشكلان عنصراً مهماً في تحول الطاقة، وبما أن عملية تحول الطاقة تأخذ عقوداً عدة لتحقيقها، والاستجابة لوكالة الطاقة بتقليص الاستثمارات في الوقود الأحفوري، حيث انخفض معدل الاستثمارات من 500 مليار دولار للسنوات الخمس الماضية إلى 300 مليار دولار في 2019، سيؤدي إلى شح الإمدادات البترولية وارتفاع الأسعار والتضخم على المديين القصير والمتوسط، ويتوجب في الوقت نفسه على شركات النفط المضي قدماً بالاستثمار لتصفير الانبعاثات لتحافظ على موقعها في تحول الطاقة طويل الأمد. العالم يواجه تحولاً طاقوياً مشوشاً نتيجة سيناريوهات وافتراضات غير واقعية بالنسبة للمستقبل، تحذير أتى من رئيس شركة أرامكو الناصر، الذي كان رداً على سيناريو وكالة الطاقة، واستكمالاً لهذا السيناريو تقدمت إيرلندا والنيجر بمسودة قرار لمجلس الأمن يقضي باعتبار التغير المناخي خطراً رئيسياً على السلم والأمن والاستقرار العالمي، اعترضت روسيا على مسودة القرار، واستخدمت حق النقض، كما رفضته الهند وامتنعت الصين عن التصويت، وهي المرة الأولى التي يطرح فيها مشروع قرار يطالب بإدراج التغير المناخي ضمن صلاحيات أعمال المجلس، واعتبر السفير الروسي محاولة لاستغلال موضوع علمي واجتماعي - اقتصادي وتحويلهما إلى مسألة سياسية.
مشاركة :