أكد الباحث والروائي المصري، عمار علي حسن، أن روايته الجديدة باب رزق تنهل من خبرة واقعية أضفاها إلى شخصيات بعضها كان حقيقياً، مشيراً إلى أنه يفضل الكتابة بالفصحى دوماً، ولا يستعين بالعامية إلا للضرورة القصوى. تحايل تتشابك الأحداث وتتقاطع السكك في الرواية، لكنها تظل جميعها تدور في فلك التحايل.. يتحايل أبناء عبدالشكور على فقرهم وجهلهم بكسب عيشهم من فتات الناس، رغم رغبتهم في امتهان أعمال مستقيمة، ويتحايل رفعت على قلة المال بامتهان التسول بزي شيخ أزهري في المواصلات العامة، وامتهان مداهنة المعزين أمام المساجد وسرادقات العزاء. ويواسي رفعت نفسه قائلاً: آه يا غايتي النبيلة كم أدفع في سبيلك كل غال ونفيس أو كنت أحسبه هكذا قبل أن تجرفني المدينة إلى بحرها الذي لا قرار له ولا شاطئ. في عالم يرى فيه كثيرون القتل والسرقة والبلطجة أساليب مبررة لكسب العيش، لا يجد الفقير الجاهل غير القادر على ارتكاب مثل هذه الجرائم سوى الاحتيال والنصب والتسوّل لكسب لقمة عيشه، حتى لو فعل هذا باسم الدين، ربما تكون هذه الخلاصة التي يظن القارئ أنه انتهى إليها بعد الفراغ من رواية باب رزق، لكن العمل الأدبي الصادر في 278 صفحة عن دار نهضة مصر للنشر جدير بقراءة أكثر عمقاً في ثنايا الرحلة من البداية إلى النهاية للوقوف على التفاصيل ومدلولاتها. تتناول الرواية قصة الشاب رفعت، الحاصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، الذي يأتي من الصعيد إلى القاهرة لاستكمال دراسته العليا، لكن لضيق ذات اليد يسكن في منطقة تل العقارب بحي السيدة زينب، حيث الحياة العشوائية والصراع الضاري لكسب العيش بشتى السبل. يستقر الحال برفعت في حجرة عفنة فوق سطح بيت متهالك يملكه عبدالشكور، ذلك الرجل الذي انتزعت الحياة صحته وصوته الرخيم واستبدلتهما بالدهاء والمكر. عبدالشكور لم يعد قادراً على العمل وكسب الرزق، لكن ثروته الحقيقية تكمن في أبنائه الأربعة الذين يقول عنهم: علمتهم يجيبوا القرش من الهوا. الابن الأكبر (أبوعوف) منادي سيارات، و(حسونة) محتال، و(عزازي) بائع مناديل؛ أما (سميرة) فتبيع الزهور للعاشقين على كورنيش النيل، ويلقي كل منهم نهاية كل يوم حصيلة شقائه في حجر الأب الثعلب. تدور قصة حب بين سميرة ورفعت الذي جاء من بلده مدفوعاً بالشغف لدراسة الفلسفة والبحث عن مستقبل أفضل، وأيضاً ليثبت لأصدقائه وأبناء بلدته الذين عيّروه بعجز الفلسفة عن فتح بيت أنها هي أم العلوم، وقد تكون الطريق للشهرة والمجد. وعن لغة الرواية وتوظيفها في خدمة السرد، قال المؤلف: أميل إلى الكتابة بالفصحى دوماً، ولا أستعمل العامية إلا للضرورة القصوى، وأحل هذه المعضلة أحياناً باستخدام الفصحى البسيطة أو ما يسميها نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم اللغة الثالثة. وأضاف الوصول إلى روح السرد الشفاهي، والتعبير عن البيئات الاجتماعية الهامشية لا يشترط التسليم باللغة المحكية في تلك البيئات، لكن الأهم هو رسم السياق، وإدراك جوهر هذه الشخصيات في التعبير والتصرف، لاسيما أن الراوي في (باب رزق) هو بطل الرواية، وهو شاب متعلم يعد دراسات عليا في الفلسفة، وبالتالي خلفيته التعليمية والثقافية ساعدتني كثيراً على حل معضلة التعبير بألسنة المهمشين. وعن تعمق الرواية في التفاصيل المكانية والإنسانية لمنطقة تل العقارب وسكانها، قال المؤلف: هذا النوع من الواقعية الفجة ليس جديداً عليّ، ففي رواياتي الأول (حكاية شمردل) و(جدران المدى) و(زهر الخريف) عالجت موضوعات من الواقع، وما أضيف إليها من خيال لم يكن بهدف صناعة السحر الذي ورد في (شجرة العابد) و(جبل الطير) و(السلفي)، إنما كنت أنهل من خبرة واقعية أضفتها إلى شخصيات بعضها كان حقيقياً.
مشاركة :