تعدّ الأندية الأدبية مصدراً حيوياً ومهماً من مصادر إثراء المكتبات الوطنية بعدد متنوّع وهائل من الإصدارات، ولا نبالغ إذا قلنا إن عدد الإصدارات للأندية الأدبية في كل عام يفوق - أو يكاد - عدد الإصدارات الخاصة مجتمعة على المستوى المحلّي إذا استثنينا الأبعاد التجارية لعدد من دور النشر العربية التي أقبلت بشكل تجاري على المبدعين السعوديين بغض النظر عن القيمة الفنية والإبداعية لمحتوى تلك الإصدارات. وعلى الرغم من أن القاعدة العامة لإصدارات الأندية الأدبية تتكئ في الأصل على تحكيم الكتب ووضعها قبل الطبع تحت مجهر الفحص والمراجعة من خلال استعانة الأندية الأدبية غالباً بعدد من النقاد أو أصحاب الخبرات لإجازة طبع الكتاب من عدمه إلا أن الأمر لا يخلو أحياناً من المجاملات أو محاولات تقديم الكم على الكيف بغرض الحضور والمنافسة في عدد الإصدارات، أو حتى مع حسن الظن بغرض التشجيع والدعم أحياناً، وهو أمر يكشفه كثيراً التباين في مدى جودة الإصدارات في النادي الأدبي الواحد أو حتى لدى الأندية الأدبية الثلاثة عشر على اختلاف مناطقها ومحافظاتها. لكن مع تجاوزنا هذا التباين يظل الأمر المؤسف هو ما يعقب عملية الطباعة حيث تتكدّس مخازن الأندية الأدبية بعدد هائل من الكتب المطبوعة من دون أن تكون هناك آلية أو تنسيق لنشر هذه الكتب في المكتبات على الرغم من أنها مجازة رقابياً وفنّياً، ولا يمكن لأحدنا أن يغفل تلك الهوّة السحيقة بين عملية الطباعة وخطواتها وبين حضور تلك الكتب المطبوعة في المكتبات السعودية. وإذا كانت عملية إصدار الكتب عبر الأندية الأدبية ترتكز أهدافها ومخططاتها على دعم المؤلف السعودي والأخذ بيده للحضور والانتشار، وإذا ما آمنا بطبيعة التباين بين الأندية الأدبية من حيث جودة المنتج الإبداعي أو حتى جنسه بين الشعر والرواية والنقد أو حتى النصوص المفتوحة فإن الجميع للأسف الشديد يشتركون في توقّف العمل عند حدود الطباعة وتسليم المكافآت الخاصة بالمحكِّمين والمبدعين، وتدشين هذا الحضور في حفل بهيج تلتقط فيه الصور بينما يدأب العاملون على تكديس الكتب في المخازن، كل هذا على الرغم من أن الهدف الرئيس من عملية الطباعة يتجاوز هذا الحضور الإعلامي المزيّف لكتابٍ محكّمٍ ومفروز طُبِع ليكون بيد القارئ في ظل كثرة حضور الكتب الخاصة تلك التي يفتقد بعضها لأدنى مقوّمات الإبداع والتأثير على أرْفُف المكتبات أو حتى بعض المحلات التجارية العامّة نتيجة نشاط عملية التسويق له!. الأندية الأدبية التفتت أخيراً لهذه الظاهرة ونعني بها ظاهرة غياب الكتب التي تصدرها عن رفوف مكتباتنا وبالتالي حاولت جاهدة سدّ هذه الفجوة من خلال عقد شراكات مع عدد من دور النشر العربية ذات الحضور المؤثر، لكنها على ما يبدو التفاتة كسولة وسلسلة أخرى من مسلسل التنصّل عن دورها في نشر هذا الكتاب أو ذاك، حيث يحضر الكتاب مرّة واحدة في العام من خلال معرض الرياض الدولي للكتاب ثم يختفي عاماً ويعود للظهور مخبوءاً تحت إصدارات أخرى جديدة مع كل عام. والواقع أن الأندية الأدبية بحاجة ماسة إلى استكمال هذه الشراكة من خلال عقد شراكات أخرى مع مراكز توزيع واستثمار الكتب التي تصدرها ماديّاً، إذ يبدو أن مجانيّة الكتب التي تصدرها الأندية الأدبية أفقدتها قيمتها المعنوية كثيراً، فالمجانية إحدى صور الابتذال حين يتعلق الأمر بالكتاب ومحتواه، فضلاً عن غياب إصدارات الأندية الأدبية غالباً عن المكتبات العامة ومنابر القراءة. ويبدو أن أكثر الكتب غياباً لدى الباحث هي تلك الكتب التي تصدرها الأندية الأدبية ومن الصعب جداً الحصول عليها ما لم يتم التواصل مباشرة مع النادي الأدبي وعبر خطوات بيروقراطية أحياناً لا تتماهى مع أهداف عملية الإصدار بالنسبة للأندية الأدبية كواحد من أهم ركائز عملها. الأمر بحاجة ماسة إلى النظر فيه وتدارسه وعقد ورش عملية للخروج من أزمة الغياب هذه، فكتب الأندية الأدبية ظلت منذ أربعة عقود كتباً محكّمة لكنها غائبة دائماً عن رفوف مكتباتنا.
مشاركة :