في أحضان «إكسبو 2020 دبي» حط الفن التشكيلي رحاله، ووجد له أرضاً خصبة، حيث زرع فيها 11 عملاً فنياً، فبدت أشبه بوردة أينعت أوراقها، كل واحدة منها تمثل بلداً، وحضارة مرت على التاريخ ونقشت سطرها فيه بمياه الذهب، بعضها ينطق بعربية خالصة، وأخرى لها لسان أعجمي، وكلها التقت تحت سقف الحدث الأروع عالمياً، الذي قدم للعالم أجمع، نماذج من أعمال فنية اختلفت في رؤاها وتباهت في مدارسها، فلا يزال مجسم «مان» يجلس وسط ساحة الفرسان، حيث «جمدت» بقربه «الريح في لحظة»، ووقف جزء من درج برج إيفل، بينما زرعت أشجار تشيللي التي يبلغ عمرها أكثر من 6500 عام في أرض المكان، الذي سكنت روحه الجمال، فانطبق عليه شعر الراحل نزار قباني الذي نطق به يوماً «فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ». «إكسبو» مكان طرز بالابتكارات، ولكنه في الوقت نفسه تزين بأعمال فنية عديدة، تثير في النفس شغف المعرفة، وتفتح أمام الروح ملاذات عديدة، داعية العين لأن تبحر بين أمواج الألوان، التي تطرزت بها مداخل الأجنحة وأروقة المعرض الدولي، الذي بات قبلة لعشاق الفنون على اختلافها بدءاً من عشاق الحرف ومروراً بأبناء الحركات الموسيقية وعشاق حكايات الفن السابع، وليس انتهاءً برؤى الفن التشكيلي، فأينما وليت وجهك في المكان، حتى تفتح مقلتيك على عمل فني، له شكله الخاص وفكرته وتوجهاته، عمل لا يشبه غيره، ولا يحمل سوى بصمة من ابتكره، ليتركه في المكان إرثاً لأبناء المستقبل، ليكون دلالة على أن رواد الحركة التشكيلية العالمية قد مروا من هنا، وأنه كانت لهم أعمال تدلل على أفكارهم وتوجهاتهم الفكرية والعصرية. الفن التشكيلي في «إكسبو» لم يسكن أروقة المكان وساحاته العامة وحسب، وإنما تغلغل أيضاً داخل أجنحته، ففي الوقت الذي نحتت جزر الباهاما الصدف وصنعت منها لوحات تنتمي إلى المدرسة التجريدية، أطلت بتسوانا ببذورها الثمينة وأعمالها الإبداعية ومنحوتاتها الخشبية التي زينت أروقة جناحها، في حين علقت جزر سليمان على جدرانها لوحات تشكيلية استلهمت من أمواج البحار المحيطة بها، ليحتل جناح ألف – التنقل موقع الصدارة بما يحتضنه من أعمال وثقت لتاريخ التنقل، وتزينت أستراليا بجدارية لا تزال تحمل بصمة الفنان الإماراتي خالد مزينة وزميله تايرون وايغانا، أما جناح الاستدامة فقد زرعت أروقته بلوحات تحمل بصمات إماراتية خالصة، لتأتينا التشيك بلوحات نحتت من الكريستال، بينما تجلى الحرف العربي في لوحات عرضتها أوزباكستان، وتزينت بها جدران جناح المرأة وجناح تونس، وغيرهما. «الفن ينقل نوراً إلى الآخر» قاعدة نطق بها فولتير ذات يوم، إيماناً منه بأهمية الفن بوصفه جزءاً من القصة التي نرويها عن أنفسنا، ولذا فقد جاءت مجموعة الأعمال الفنية التي يختزنها معرض «إكسبو 2020 دبي» بين ثناياه بمقام إرث للمستقبل، ولعل ذلك ما يفسر سر المنافسة التي اشتعلت بين العلامات التجارية التي سعت إلى إيجاد موطئ قدم لها في المعرض الدولي، متخذة من الفن التشكيلي، راحلة تمر من خلالها إلى قلوب الناس، فحضرت سواتش، راعي الوقت الرسمي في المعرض الدولي عبر تصاميم مختلفة، استلهمت من شعار «إكسبو 2020 دبي» الذهبي، ترافقها «لايف ووتر» التي أطلت بتصاميم ثلاثة تعكس الشغف الشرقي تجاه الفنون، إذ كان القائمون على برنامج الفنون البصرية المعاصرة لـ«إكسبو 2020 دبي»، قد استلهموا مجموعة الأعمال من «كتاب المناظر» لعالم الرياضيات والفلك والفيزياء العربي الشهير ابن الهيثم، الذي أنجزه في القرن الحادي عشر الميلادي، ما يوفر سياقاً فريداً لرؤية أعمال فنية معاصرة تُلهم الزوار وتحثّهم على استثمار قوة الخيال من أجل اكتشاف الأفكار والرؤى والسرديات وتبادلها، إذ أسهم ذلك في خلق مساحة تحتفي بالإبداع والفن المعاصر، لتكون إرثاً بصرياً وجمالياً دائماً يتداخل ويتناغم مع النسيج الحضري لهذا الجزء المستقبلي من مدينة دبي. لفت الأنظار على جدران قبة الوصل، تجلت إبداعات الفنان والخطاط الإماراتي ضياء علام، وتساقطت على رؤوس زوارها كحبات مطر لؤلؤية، في وقت صافحت حروفياته أيدي زوار المعرض الدولي الذين يقبلون على منتجات. ضياء الذي شارك أخيراً منصة سواتش بعمل إبداعي حمل عنوان «هذا الوقت سيمضي»، عدّ في حديثه مع «البيان» أن «استضافة دبي والإمارات إكسبو، تعد خطوة مهمة للفت أنظار العالم إلى الدولة وثقافتها»، قائلاً: «يؤدي الحدث الدولي دوراً مهماً في جمع مختلف الثقافات والشعوب في بقعة واحدة، تسمح لهم بمشاركة أفكارهم ورؤاهم المستقبلية، وبلا شك فإن هذا المعرض يضيف الكثير من الإلهام إلى المشهد الثقافي والفني الإماراتي، بوصف المعرض مصدراً لتواصل الثقافات المختلفة». ضياء أكد أن عمله الأخير «هذا الوقت سيمضي»، قد جاء ليعكس «الحالة التي يمر بها العالم في ظل الجائحة»، قائلاً: «مهما كانت التحديات كبيرة لا بد من أن يأتي الوقت الذي ستزول فيه». على جدران جائزة البردة، علق الفنان الإماراتي خالد البنا عمله «ديناميكية الحركة» ذلك الذي توسد فيه المنسوجات، كطريقة للتعبير عن تغير العادات والتقاليد مع مرور الوقت، مسلطاً من خلاله الضوء على قضية تشويه الهوية والتراث، متبنياً من خلاله عناصر الهندسة الإسلامية وما تمتاز به من تفاصيل للتعبير عن العلاقة التي تجمع الثقافة الإماراتية والإسلام. خالد البنا، أكد لـ«البيان» أن «إكسبو 2020 دبي» فرصة تجمع مختلف الدول في مكان واحد. وقال: المعرض يتيح للدول مجالاً كبيراً للتواصل ومشاركة الأفكار بشأن آخر ما توصلت إليه في المجالات كافة. نظرة خالد البنا إلى المعرض الدولي بدت متفائلة على الصعيد الفني، إذ يرى فيه مصدراً لاكتشاف مساحات فنية أخرى. وقال: المعرض يتيح لنا جميعاً اكتشاف الثقافات الأخرى، ومساحات جديدة تمكننا من استلهام أعمال فنية جديدة، قادرة على التعبير عن رؤانا ونظرتنا إلى الآخر، وبالنسبة لي أعدّه مصدراً لاكتشاف مساحات جديدة لأعمالي، عبر استخدام خامات وتقنيات جديدة، من شأنها أن تدعم فكرة الاستدامة التي تمثل أحد أعمدة المعرض الدولي. أعمال خالدة ترحال منحوتة أبدعها الفنان الإماراتي عبدالله السعدي، بعنوان «ترحال»، ويأخذ العمل الفني شكل لوحات تصويرية كأنها خرائط رسمها الفنان فوق أحجار ضخمة من منطقة وادي الطيبة في الفجيرة، وتمثل دعوة لاكتشاف نوع من اللغة البصرية الشعرية المرتبطة بتاريخ جيولوجي موغل في القدم. القاعدة أطلت الفنانة شيخة المزروع على زوار إكسبو، بعملها الفني القاعدة لتعكس من خلال جمالياته الخاصة، حسها العميق وفهمها البديهي للمواد وخصائصها الفيزيائية، وتسعى الفنانة لتوظيف المنحوتة الرخامية الدائمة أداة للحوار والتعاون الجمالي والفكري بينها وبين فنانين آخرين في المستقبل قد لا تعرفهم أو تقابلهم. صنع بيت عمل إبداعي أطلت به الفنانة عفراء الظاهري، وقد استلهمته من التّكية التقليدية، أو الوسائد الأرضية التقليدية في الإمارات، لاستحضار لحظات من الذاكرة الجمعية لألعاب الأطفال المرتجلة عند استعمالهم تلك الوسائد لصنع بيت أو حصن. تباين المألوف عمل فني بعنوان تباين المألوف يحمل توقيع الفنانة أسماء بالحمر، وهو عبارة عن منحوتة تدمج تشكيلات من الطبيعة والبيئة الحضرية كأنها تسجيل للانتقال البصري عند التحرك بين مناظر الجبال ومناظر المدينة، فيبدو التغير من التضاريس الطبيعية إلى المدينة والمعمار المتنوع والأبنية الشاهقة رحلة عبر تحولات في الحجم وفي الزمن. روح الفن قال كارلو جيوردانيتي، الرئيس التنفيذي لفندق سواتش ارت بيس، لـ«البيان»: نؤمن بروح الفن وبتدفقه وبتأثيره في النفس، وبمدى قدرته على تحقيق الانفتاح والتنوع بين البشر، والفنانين، وهو ما يفسر مدى اهتمامنا بهذا القطاع الحيوي، الذي يشكل واحداً من روافد الاقتصاد الإبداعي. وأضاف: على مدار الوقت، سعينا لخلق منصات خاصة للفنانين على اختلاف جنسياتهم وتوجهاتهم ومدارسهم الفنية، ليتمكنوا من التعبير عن أفكارهم بطرائق فنية، قادرة على حمل رسالتنا ورسالتهم إلى الناس وعشاق الفنون، وبتقديري فإن معرض «إكسبو 2020 دبي» يتجسد فيه هذا المعنى، فهو يشبه إلى حد ما فكرة فندق «سواتش ارت بيس» الذي يجمع الفنانين من حول العالم تحت سقفه، و«إكسبو 2020 دبي» يسير على الخطى ذاتها من خلال جمعه ثلة من فناني العالم، لتقديم تصوراتهم المستقبلية وأفكارهم الفنية وتعابيرهم الخاصة، التي يعرضونها على شكل أعمال فنية موزعة في ساحات وزوايا المعرض الدولي. وأشار إلى أن اختيار سواتش معرض إكسبو 2020 دبي، ليكون مقراً لمنصتها سواتش اكس يو، كان نابعاً من إيمانها بقدرة المعرض الدولي على جمع الناس تحت سقف واحد، وقدرته على تشجيعهم على الابتكار واختيار التصاميم التي يرغبون فيها، لتظل حاضرة في ذاكرتهم على الدوام، وأكد كارلو جيوردانيتي، أن سواتش عملت على استلهام التصاميم الخاصة بساعاتها من طبيعة الركائز الثلاث التي يقوم عليها المعرض الدولي. وقال: أعتقد أن وجود المعرض الدولي في المنطقة وأول مرة، يمنح الفنانين المحليين والزائرين فرصة الحوار والتعارف وابتكار أعمال فنية جديدة، ستبقى شاهدة على إبداع البشرية، وتأثير الفنون فيها. عمل مشترك إلهام الثقافات للتواصل، ليست جملة عابرة وإنما تمثل عنواناً لعمل فني إماراتي أسترالي مشترك، يصل طوله إلى نحو 22 متراً، وهو يزين شرفة مجلس كانبيرا لكبار الشخصيات في الجناح الأسترالي، وراء هذا العمل وقف الفنان الإماراتي خالد مزينة والأسترالي تايرون وايغانا، حيث بدا هذا العمل إحدى ثمار المعرض الدولي، والذي ترجمه مزينة وايغانا بألوان زاهية، ليعكسا من خلاله ثقافتين متنوعتين تقعان في قارتين مختلفتين تماماً. إلهام مزينة عدّ المعرض الدولي فرصة للإلهام. وقال: في عملي مع تايرون وايغانا حاولت أن أسلط الضوء على تقاليد الضيافة الإماراتية وحياة المجتمع المحلي، التي تجسد عملية تواصل العقول بيننا، وبالطبع هذه الفكرة تتسع أكثر لتجسد كيف نتواصل نحن مع العالم، ونشاركه حياتنا وقصصنا وتقاليدنا وأفكارنا أيضاً. وأضاف: أنا أفتخر بمشاركتي في «إكسبو 2020 دبي» عبر هذا العمل، الذي أعدّه جزءاً من إرث المعرض الدولي الذي يقام المرة الأولى في المنطقة، وبلا شك فأن تكون جزءاً من المعرض، فذلك يعني أن تكون جزءاً من التاريخ. خالد مزينة يرى في استضافة دبي والإمارات الحدث الأروع عالمياً فرصة كبيرة لإلهام الفنانين على اختلاف ثقافاتهم. وقال: يذكرني معرض إكسبو ، بفكرة «سواتش ارت بيس هوتيل» التي سعت إلى جمع الفنانين في مكان واحد يتيح لهم فرصة مشاركة أفكارهم وإبداعاتهم، وأعتقد أن المعرض الدولي قد نجح في جمعنا كفنانين لنقف جميعاً على منصة واحدة، نتشارك من خلالها الأفكار والإلهام والإبداع أيضاً، معبراً في الوقت ذاته عن فخره بأن يكون ضمن كوكبة الفنانين الذين اختارتهم علامة سواتش لتمثيل منصتها سواتش اكس يو، التي حجزت لها مكاناً بارزاً في المتاجر الرسمية التابعة للمعرض الدولي. وقال: عبر مجموعة التصاميم التي قدمتها لهذه المنصة، عملت على إبراز روح المرح والشباب وحب الحياة. تصميم الحب والتسامح في «إكسبو» أينما وليت وجهك، ستقابل عملاً فنياً له تفاصيله الخاصة وفكرته أيضاً، وبين أحضان المعرض الدولي توزعت العديد من المتاجر الرسمية، التي احتضنت بدورها مجموعة من الأعمال الفنية والقطع التي تعكس الاحتفاء بالإبداع الإنساني، وإبداعات الفنانين المحليين، تلك الإبداعات لا تقتصر فقط على الأكواب المزينة بالخط العربي التي أبدعها الفنان ضياء علام، وإنما اتسع نطاقها ليشمل الساعات أيضاً، إذ قدمت شركة سواتش، تصاميم مختلفة، ومن بينها تصميم الحب والعزيمة والتسامح، والتي تعكس في مجملها رسائل المعرض الدولي. فرصة كما سعت العلامة من خلال منصتها سواتش اكس يو إلى إتاحة الفرصة أمام الجمهور لتصميم ساعاتهم، وفقاً لنظرتهم الخاصة. منصات سواتش توزعت على مناطق إكسبو الثلاث، ففي الوقت الذي تركز فيه على توفير منصة خاصة للفنانين في منطقة الفرص، تسلط منطقة الاستدامة على الخامات الحيوية المبتكرة، متيحة للزوار إمكان التفاعل مع هذه الخامات، فيما توفر لهم في منطقة التنقل فرصة الاستكشاف الافتراضي لفندق سواتش ارت بيس الذي يقوم على أكتاف التصميم المستدام. دعوة للتعلم الفن يتجاوز الحدود، ويبدو أشبه بلغة ودعوة للتعلم والفهم، تلك القاعدة قد تكون أول ما يتبادر للذهن عند معاينة عبوات ووتر لايف التي زينت بملصقات من تصميم 3 فنانين عرب، وهم الإماراتية ابتسام عبدالعزيز، والعراقي أثير الموسوي، والسعودية بسمة فلمبان. أطلت هذه العبوات في أروقة معرض إكسبو 2020 دبي، حيث تتناقلها أيدي الناس لتروي بمياهها ظمأهم، في وقت تعاين عيونهم طبيعة التصاميم التي جاءت معبرة عن توجهات شرقية الطابع، لتعكس تأثير المنطقة في القطاع الفني. العبوات البلاستيكية أطلت بتصاميم ثلاثة اختلفت في ما بينها، فواحدة منها ركزت على تضاريس الفن الإسلامي، وأخرى على الخط العربي، بينما جاء التصميم الثالث مستلهماً من شعار إكسبو 2020 دبي المستوحى من خاتم ساروق الحديد الذهبي. ويشكل إكسبو منصة عالمية مهمة، ليس فقط لإلهام الفنانين الإماراتيين وإنما لفناني العالم كافة، بهذا التعبير وصفت الفنانة الإماراتية نور السويدي نظرتها للحدث الأروع عالمياً، وقالت: في هذا المعرض، تم التركيز على بناء منصة ثقافية تعنى بوجود الفنان الإماراتي، وذلك ما نتلمسه من خلال العديد من الأعمال الفنية في المعرض، والموزعة في أرجائه كافة، وأضافت: هذا الوجود الكثيف للأعمال الفنية، يجعلني أعدّه منصة عالمية لإلهام فناني العالم والإمارات أجمع، سواء من خلال زيارتهم له واقعياً أو افتراضياً. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :