شغفت التشكيلية الأردنية ردينة آسيا بعالم الفن وهي على مقاعد الدراسة، فكانت بداياتها في المرحلة الابتدائية، واستمرت في صقل تجربتها وصولا إلى الجامعة، ثم انقطعت عن الفن لفترة من الزمن، قبل أن تعود إليه محمّلةً بالمزيد من الشغف وتجعله مركز حياتها واهتماماتها. وتقول الفنانة في حديث معها إن وجوه الجمال تتشكل وتتعدد، مضيفة أن الشكل النسبي وتناسق الألوان على سطح اللوحة وغير ذلك من العناصر الفنية “دواعم لتحقيق هذا الجمال وتشكيل رابط بين المادة والروح”؛ ولأن اللوحة “تتشكل من مشاعر الفنان وأحاسيسه وخلجات نفسه” فإن قيمتها المعنوية عند اكتمالها تُستمَدّ من هذه الروح، بينما تُستمَدّ قيمتها المادية من شكل اللوحة الخارجي. المرأة والفن ردينة آسيا: الخبرة والممارسة تصنعان ما يصنعه التعلم الأكاديمي تؤكد آسيا أن المصدر الأساسي لإلهامها في الرسم هو الوطن (فلسطين)، والقضية التي تحاول أن تجسدها في كل جوانب تجربتها الإبداعية التي تشمل الشعر والقصة إلى جانب الرسم. وتقول “أشعر بالواجب تجاه قضيتي التي تخص كل إنسان مسلم وعربي أيضاً”، وتضيف “واجبي تجاه فلسطين يحتم عليّ رسم خطوط قضيتي وإبرازها على سطوح لوحاتي، فالفن يعكس حضارة الأمة، وهو ناقل مباشر لقضاياها”. وتتابع “بما أن الوطن هو الملهم لي، فإنني أرسم ما يلامس مواجعنا ومطالبنا بالحرية ونبذ الاحتلال وممارساته المستبدة”. وإلى جانب انشغالها فنيا بالوطن تتجه آسيا إلى رسم المرأة كثيمة متكررة في لوحاتها، وهذا انطلاقاً من أن المرأة “وجه للوطن” أيضا؛ وتوضح الفنانة ذلك بقولها “الأم وطن، والزوجة وطن، وكذلك الابنة.. المرأة وطن من روح وقيم إنسانية”. وبشأن جمعها بين أكثر من حقل إبداعي ترى آسيا أن الفنون جميعا تصب في بوتقة واحدة، فتكمل نسيجا محببا في داخلها، وتوضح “تطلب روحي الشعر تارة، ثم القصة تارة أخرى، ثم اللون تارة ثالثة. وكأنني أنتقل من بستان إلى آخر، فلا أشعر بالملل والرتابة. هذه الفنون الثلاثة تفيض في روحي فأرسم في قصيدتي الصور حتى إنني أخال نفسي أحيك الألوان والصور داخل أبياتي. وفي كتابة القصة أنسج الصور وأتخيل ما أريد رسمه في خيالي فتتشكل الشخوص، وفي اللوحة أضع الفكرة وألونها وأجمع القيم وأخضّبها بفرشاتي”. وترى آسيا في سياق حديثها عن اشتغالاتها المتنوعة أن الفن هبة تولَد مع الإنسان، ولا بد أن تكون لها بذور فيه تُستقى في ما بعد بالدربة والخبرة لتنمو وتكبر، مؤكدة “يولد الفنان هاويا للفن، ثم يصقل الموهبة بالتعلم. فالشاعر مثلا لا يكون شاعرا متمرسا إلا من خلال دراسته ولو بشكل مبسط لبحور الشعر، والقاص لا يكون قاصا إلا إذا علم بأساسيات القصة وتقنياتها. وينطبق الأمر نفسه على الفن التشكيلي؛ فإذ لم يحصل الفنان على التعلم الأكاديمي فإنه يستطيع بالمراس والمثابرة أن يتعلم التقنيات في بناء اللوحة، شرطَ أن تكون الموهبة حاضرة منذ البداية”. إلى جانب انشغالها فنيا بالوطن تتجه الفنانة إلى رسم المرأة كثيمة متكررة في لوحاتها، فالمرأة عندها وجه للوطن وبذلك تصنع الخبرة والممارسة -حسب ردينة آسيا- “ما يصنعه التعلم الأكاديمي إن حرص الفنان على تطوير فنه والارتقاء بتجربته”. وعن التحولات في تجربتها اللونية تقول الفنانة “كانت بداياتي مع قلم الرصاص والفحم، ثم انتقلت إلى الألوان المائية والطباشير الملونة أيام دراستي في الجامعة، وبعد ذلك استعنت بالألوان الزيتية والأكرليك”. وتضيف “عموما أميل إلى الألوان المائية -على الرغم أن لوحاتي الأخيرة كانت بالزيتي والأكرليك- إذ وجدتها أقرب إلى نفسي لشفافيتها ولحبها للماء الذي يجعل الخطوط انسيابية”. أما الألوان التي تستهوي الفنانة خلال الرسم فهي الألوان الزاهية والقوية، موضحة “لا أحب الألوان القاتمة المعتمة، ولا أميل إلى استخدامها على الأسطح، وربما يعكس هذا شيئا من طبيعة روحي”. وتُظهر لوحات آسيا ميلا إلى المدرسة الانطباعية لما فيها من حسّ وخيال، وكذلك ميلا إلى المدرسة التعبيرية، وذلك بأن يرسم الفنان انطباعه الشخصي عن الشكل الطبيعي الذي يصوره، كما تستهويها المدرسة الواقعية، وهي على أية حال تتجنب السريالية التي يصور فيها الفنان ما يشاهده في أحلامه. وفي سياق حديثها عن المدارس الفنية تؤكد آسيا أن الفن الغربي لا يجذبها بأيّ شكل من الأشكال، رادّةً ذلك إلى أنها تربط عملها بقضيتها الأم، فهي “امرأة شرقية حتى النخاع”. وتكشف عن تأثرها بأعمال الفنانين: إسماعيل شموط، وتمام الأكحل، ومحمد شتية، ورائد قطناني، مؤكدة “هؤلاء يعكسون ما يثير اهتمامي ويعالجون موضوعات وقضايا تتقاطع مع ما يؤرقني”. القضية الفلسطينية المرأة في كل حالاتها تبقى جميلة المرأة في كل حالاتها تبقى جميلة حول أعمالها التي تعبّر من خلالها عن القضايا الراهنة للمرأة العربية تقول آسيا “من الطبيعي أن أعكس ما تعانيه المرأة أو ما تشعر به من فرح؛ أولا لأنني امرأة، وثانيا لأنها (المرأة) تشكل مكونا أساسيّا في المجتمع”. وتظهر المرأة الفلسطينية في لوحات ردينة آسيا بوضوح لتكون مصدرا لبث الأمل وإنتاج المقاومة، فضلا عن أنها تمثل أيقونة للجمال في نعومتها وأنوثتها وقوتها وإصرارها وصمودها وصبرها. وتقول الفنانة في هذا الشأن “هذا المزيج هو الذي يشكل المرأة، سواء كانت زوجة بطل أو أم شهيد أو أخت مقاوم أو ابنة معتقل، وفي كل حالاتها تبقى جميلة كبيّارات فلسطين، ورقيقة كبحيرة طبريا، وقوية كجبل المكبّر، وطاهرة كقدسيّة الأقصى”. وليس غريباً أن تتجلى ثيمة الحرب في أعمال ردينة آسيا التي اختبرتها وعاشت تداعياتها على أكثر من صعيد، وهي ترى أن ما مرت به القضية الفلسطينية من أحداث مفصلية -بدءاً من وعد بلفور مروراً بإجهاض ثورة 1936 ثم نكبة 1948 ثم نكسة 1967 وما تبعها من انتفاضات تم الالتفاف عليها منذ تسعينات القرن الماضي- شكّل شخصيتها وجبل رؤيتها الإبداعية وموقفها ممّا يحدث. وتضيف “الإنسان المثقف الواعي بأبعاد ما يحاك للوطن العربي عليه أن يكون حاضرا ومؤثرا، لا تابعا ومقلدا، لهذا حضرت القضية في ديواني ‘في كفها حناء شمس’، وفي مجموعتي القصصية ‘أرواح تهوى البنادق’، وانعكست أيضاً في لوحاتي وما أرسم”. ويتضح للمتأمل في تجربة آسيا الإبداعية أن هذه الكاتبة والفنانة تحاول أن تقدم شكلا من أشكال المقاومة، مثلها مثل العديد من المبدعين الذين كرّسوا إنجازاتهم لإبراز القضية الفلسطينية وعدالتها، وفي طليعتهم سميح القاسم ومحمود درويش وناجي العلي وغسان كنفاني.
مشاركة :