حذرت بلدان الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا (الولايات المتحدة والنرويج وبريطانيا) قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان من مغبة الانفراد بتشكيل الحكومة الجديدة، مؤكدة أنها لن تدعم أي رئيس وزراء أو حكومة يتم تعيينهما دون انخراط واسع من المدنيين، ما يفاقم الضغوط على العسكريين في سعيهم لتشكيل حكومة تلقى قبولا لدى القوى المدنية. وتقول دوائر سياسية سودانية إن مساعي تشكيل حكومة توافقية في السودان إثر استقالة عبدالله حمدوك تواجه صعوبات كبيرة بسبب إصرار القوى الثورية على استقالة قادة المجلس العسكري -الذين دعموا الانقلاب على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي- ومحاكمة من تورطوا في أحداث العنف. وتشير تلك الدوائر إلى أن مطالب القوى الثورية لا تلقى استجابة من قادة الجيش المتمسكين بمواصلة الشراكة في إدارة المرحلة الانتقالية حتى بلوغ الانتخابات والرافضين محاكمة منظوريهم، ما يزيد من تعقيد أزمة البحث عن مخارج توافقية ومرضية للطرفين. ووضعت استقالة حمدوك كلا من القوى المدنية والمؤسسة العسكرية في مأزق جديد، بعد أن أصبحت البلاد أمام سيناريوهات عديدة لا تخلو من شبح الانخراط في عنف مفرط، بالتزامن مع تباعد المواقف السياسية وصعوبة الوصول إلى حل تقبله المكونات الداخلية المؤثرة في المشهد العام. وأدت استقالة حمدوك التي أعلنها مساء الأحد إلى خلط أوراق المكون العسكري الذي راهن على ترويضه لتمرير الانقلاب على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وأجبرته على التفكير في بدائل تزامنا مع تصاعد الاستنفار تجاه تحركاته. مساعي تشكيل حكومة توافقية في السودان تواجه صعوبات كبيرة بسبب إصرار القوى الثورية على استقالة قادة المجلس العسكري وأحبطت الاستقالة مخطط إبعاد قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عن المشهد السياسي تماما، وأصبح هناك تقارب بين رؤى التحالف الحكومي السابق والشارع، وقد تكشف الأيام المقبلة عن زخم أكبر يدفع إلى حصول تحول في معادلة السلطة الحالية. وأكد الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا في بيان “نتطلع إلى العمل مع حكومة وبرلمان انتقالي يتمتعان بمصداقية من الشعب السوداني ويمكنهما قيادة البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة كأولوية”. وأردف البيان “سيكون هذا ضروريًا لتسهيل قيام الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا بتقديم المساعدات الاقتصادية للسودان”. وحمل “السلطات العسكرية مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان”، مجددًا مطالبته بـ”الإفراج عن جميع المعتقلين ظلماً ورفع حالة الطوارئ فورا”. وعادة ما ينفي الأمن السوداني استخدام القوة المفرطة بحق المحتجين على قرارات الجيش. ويأتي موقف الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا بعد يوم على إعلان الأمم المتحدة استعدادها لتسهيل حوار شامل يؤدي إلى حل الأزمة السياسية في البلاد. ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي يشهد السودان احتجاجات ردا على إجراءات استثنائية اتخذها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وعزل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، واعتقال مسؤولين وسياسيين. ورغم توقيع البرهان وحمدوك اتفاقا سياسيا في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، تضمن عودة الأخير إلى منصبه وتشكيل حكومة كفاءات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فإن قوى سياسية اعتبرت الاتفاق “محاولة لشرعنة الانقلاب”، وتعهدت بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق “الحكم المدني الكامل” خلال الفترة الانتقالية. وتلهب الضغوط الدولية على قائد الجيش السوداني حماسة الشارع المتصاعدة من جهة أنها بعثت بمؤشرات على أن المجتمع الدولي يدعم بصفة غير مشروطة مطالب المدنيين على حساب مكون عسكري بات معزولا في الداخل والخارج. ويريد الغرب، حسب محللين، الموزانة في مواقفه من الأزمة السودانية عبر دعم المدنيين ودعم الحوار مع العسكريين في نفس الوقت، وهي استراتيجية لها مبرراتها ودوافعها السياسية والمصلحية.
مشاركة :