عزف على أوتار اللحن القصصي المقاوم في 'شدو الكازورينا'

  • 1/8/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دوال التمنع القصصي: تأتي العلامة الكلية وثريا المجموعة القصصية "شدو الكازورينا" للقاص محمود الديداموني لتصف الثيمة الموضوعية الرئيسية في القصص حول فعل المقاومة "الكريم" مجسدا في معادل موضوعي مثلته شجرة الكازورينا الأبرية النبيلة ذات الشكل المخروطي، "فروعها غضة ناهضة" بتعبير القصص، دائمة الخضرة، سريعة النمو، نافعة تعد من مصدات الرياح، تتحمل الأرض الكلسية وارتفاع الأملاح.  كما تتعاطف ذات الثيمة مع العلامة الموازية الأولى، "الأهداء" إلى شجرة الصفصاف الصامدة في وجه الريح. بالتالي كشفت المجموعة القصصية منذ اللحظة الأولى عن قصدية القصص، وأفقها المنظور في وعي القراء، ورغم ذلك لم تمنح النصوص دوالها بيسر، لكن في الوقت ذاته يلقي القاص بين السطور مفاتيح كاشفة للوقوف على دلالات القصص المنوعة.    ودوال التمنع الممتع بالقصص كثر، منها ثراء الرمز، وحضور المعادل الموضوعي والتماثل السردي بين الطبيعة والانفعالات النفسية والتقطيع في القصص والتشكيل الخارجي للقصص في ثلاثة أقسام بعناوين منحوتة من معاني وأجواء قصص كل قسم بذاته وتراسل الحواس، والقص بمذاق المتوالية القصصية بتكرير الشخوص والأفعال القصصية أحيانا، واستعمال تقنية الحلم المزعج العجائبي، والطقس الملحمي المأساوي الحاشد بمفردات الإغتراب والمحنة والأمل معا، وتفتيت الحدث القصصي، وشحوب الحبكة المحكمة أحيانا، والصور المجازية خاصة اللونية منها. التوقيع اللحني القصصي:  والنصوص القصصية موارة بالحركة تعبر عن الدراما، ومعركة تكسير الارادات، صاخبة بالأصوات، ساكنة في الوقت ذاته بالهمسات، فحضور الأصوات ملمح رئيس في توقيع لحني بالمراوحة بين الصوت والهمس، والصخب والسكون، والتحليق والنزول، فهناك تحريك مستمر، يأتي بداية في استهلالات القصص المتوترة، تعبر عن مواقف طارئة غير مألوفة، أو محن مجهدة، ترسم مسار التأزيم في القصص، وتشير للملمح الموضوعي موضع الاعتبار القصصي، عبر منظومتين من الثنائيات الحاكمة.  منظومة "الصوت /السكون"، حيث تأتي مادة "الصوت" ومشتقاتها متدافعة بالقاموس القصصي وحقوله الدلالية الكاشفة عن ترنيمة البوح والألم، بداية من عناوين رئيسة "قسم أصوات"، وعناوين ومتون قصص كثر: صخب الأطفال وضجتهم الحبيبة في قصة "أصوات صاخبة"، والنوافذ المؤنسنة "تصطك كما تصطك الأسنان"، وهي صورة بيانية قائمة على فكرة "التشخيص" بخلع الصفات الإنسانية علي المحسوس، وتضفير صوت الراوي بصوت الرعد في قصة "إعصار" يقتلع الأخضر واليابس، وتحضر أيضا أصوات الغربان المنذرة بالشؤم، وحضور الصوت الصاخب الداخلي أيضا: "عقلي ممتلئ بالصخب والاضطراب"   والسكون الحد الثاني الذي يحاجج ويتناوب المواضع القصصية مع الأصوات، يأتي موضوعيا في القصص بتمثل حالات عدة منها حالة الاحتباس الفكري، وسكتة الإبداع، محنة المبدع، في قصة "أصوات صاخبة"، مثلها فرار الأفكار المذعور، والأوراق المبعثرة منذ زمن.  تقول القصة: "الأفكار تتداعى على عقلي كالشهب، كلما حاولت إمساك أحداها فرت مسرعة"، وتماثلها السردي جاء بمفردة "رسومات الحائط الباهتة"، وفي موطن آخر تفصيلي للرسومات: "فراشات باهتة الألوان"، وحضرت ذات المفردة أيضا في خاتمة القصة: "قرأت كلمات باهتة بورقة صفراء تحط على زجاج التسريحة" ويأتي السكون أيضا بالنوم، والخواء، وفقد الإنسان: "فص ملح وذاب" / "لا أثر للبيوت على مد البصر والهدوء المقيت" / واستعمال تقنية المناجاة الدرامية في قصة "النوم والبوح" حيث تخاطب الذات الساردة في داخلها ذات أخرى: "منذ متى وأنت تحاول أن تخدعني بصمتك المباغت أيها الليل"، والشكوى والتوجع: "أين ذهبت الأصوات أيها الليل الكئيب؟" وهناك حقل دلالي حركي آخر، وثنائية أخرى مؤازرة لحالة الهارموني في القص، وتنويع الحالات وتقلبها وهي حالة "التحليق/الحط"، ظهرت جلية في قصة "إعصار"، بنسج جو كابوسي عجائبي، بطيران السرير وأطفال السارد عبر النافذة، وتحليقهم في الفضاء تدفعهم الريح الصرصر، ثم يحط بهم علي فرع شجرة تنكاد أن تنكسر من ثقلهم، وأيضا التحليق بتقدير الإبداع وحضور الطب بالفن في غزل مجازي: "أمسك خيط الحكايات القديمة، وأغزل منها حكايات أخرى، تبدد برد اللحظة وخوفها". وفي قصة "رائحة البحر" نجد الوقفة الوصفية لغروب القرص الشمسي المستدير، وفي قصص أخرى نجد انتفاضة الصباح، تخرج من عباءة الليل بتعبير القصص في تحليق ضوئي. وفي قصة "وصل" نجد صورة بليغة: "قرص الشمس يختبئ في حضن البحر، ربما يتطهر البحر فيجيء الموج في الصباح قصيدة رزق للصيادين"، وهنا نجد تمديد الصورة الشاعرية وتثميرها بظلال محبة للكدح الإنساني النبيل. وفي موطن ثالث في قصة "موائد صغيرة للبحر" والتي تعبر عن الأحلام الحجرية للشباب والهجرة غير الشرعية وخديعتهم: "تخرج الشمس قطعة حمراء من رحم البحر" المذاق الريفي، وتقنية التماثل السردي القصصية: تأتي الطبيعة شخصية رئيسة بتعبيرات موظفة في ثيمة القصص، ففي كل قصة معالم من الطبيعة حاضرة ذات دلالات ملهمة:"حقول القمح أنهكها العطش"، والتماس مع أدب الشعب بالنتح من بئر الثقافة الشعبية التداولية عبر منثورات ذهبية، واستعمال العامية في حوارات مكتنزة، والمذاق الريفي في عادات وتقاليد وأعراف، نموذجا "النداهة"، وحضور "الفلاح" شخصية قصصية، والطقس اليومي الإيماني وغير ذلك.  ضوء القصص:  وضوء المجموعة القصصية يتجسد من فعل المقاومة التي يسعى إليها اللحن القصصي ويحفد، ودوالها كثر بطول الكتاب القصصي وعرضه: جسدتها الأجيال الناهضة ورغبتها في التحرر والإنطلاق: "حلقت الأطفال مع الطيور فوق الحرائق"، وفي موطن آخر بخاتمة قصة "الإعصار": "أتلاشى من شدة الإختناق لولا أن أطفالي عادت لتحملني محلقة بي بعيدا بعيدا" ومن خلال الري بالأحزان: "الدموع تنبت الأشجار"، وأيضا بمقاومة أسراب البوم في مناطق بكر في طهارتها الثورية: "لا زالت هناك بعض مناطق نائية من قريتنا .. تقاوم أسراب البوم المتبقية"  أيضا توظيف الفضاء المكاني بحضور مدينة بورسعيد قصصيا ورسم رتوش إنسانية، ورواج "رائحة المقاومة"، مثلتها متوالية قصص القسم الثاني، فحضور المكان الباسل ورمزه صوت السمسمية، ونسمة البحر الرطبة وحشد الشخصيات القصصية المناضلة ومنحها حكم قيمي بتعبير مجازي مستتر لطيف، في قصة "محروس": "تغطيه ذرات الندي المتساقط من فوهة السماء"، وفعل المقاومة في المتوالية بتمزيق علب الكانز المعادل الموضوعي للأمركة ورمز الوحشية الغربية الداهمة، والإصابة بالجروح، ومواساة هذه الجراح.    وفي قصة "جبانة الشهداء" الحية، البكاء له مذاق رجولي ووطني قيم، وإن جاءت القصة على نحو حماسي حميد كشأن القصص القيمية التي تقدر المقاومة، وتدعو إلى رحابها الأخضر، كما جاء بتعبيرات قصة "حديقة فريال" تمديد حالة قصة جبانة الشهداء الحية، مع استعمال التلوين في الصورة المصاحبة: "الأخضر بدرجاته تنبت منه أزهار الحب بألوان الفرح"، ورسم مشهد المقاومة الجماعية.   أما قصة "مقاومة" تقدم صورا مباشرة عن القهر من خلال ثنائية "أثرياء وفقراء"، وتوريث الظلم، والظلم الأصغر هو دال وصدي للظلم الأكبر، والفعل الثوري للشباب والنهاية المشرقة للقصة الرامزة الآملة حول وعي الثوار: "هاله قدرتهم علي تأمين أنفسهم"   والمقاومة عبر اتحاد المصير بين قطبي قصة "تماثيل" الشابين، الفلاح المنتج، والمثقف المتنور، حيث يعانق الصوت الشجي الصادح الصوت الهامس على خلفية من أغاني المقاومة. وتحضر ثيمة التصحر العاطفي في أكثر من قصة، عبر صدى الوجع الإغتراب للذات الساردة، في قصة "هوس" حيث قهر المرأة، ومشاهد العنف والصراع، وتحقيق الإنقطاع الإلكتروني بتحطيم الشاشة، ثم مفارقة الخاتمة ببحث الأم عن فردة الحذاء الأخرى للتعبير عن رفضها القهر والإذلال من الذكر اللارجل هاوي المصارعة.  والقصة الأخرى "مد ... وجزر"، وحضور الصوت في العين الصامتة "تراسل حواس"، حيث تقليب الصفحات بلا وعي، وتداخلها مع بعضها البعض، وتقديم حفريات العاطفة، والترميز لبرودة العاطفة، بفتح الشباك، والفيلم الرومانسي مبتور المشاهدة، ففعل المرأة وغياب اللمسات الحنون عبر الزمن جاء ببرودة الأطراف والقلوب جميعا، فلما هزها العطش لم تجد سوى الغطاء المنفصل، ولوي الرجل ذاته لجهة عكسية.  الطموح القصصي الشعري: جاء ضمير السرد يجسد حالة البوح والإفضاء للتخفيف من لواعج الذات القصصية المغتربة، ففي قصة "ضاربة الودع" نجد النساء بجميع طوائفهن متعلمات وفلاحات ومسنات "ملتحقات بالأمل" وبتعبير القصة: "يشرين كلاما يميل القلب ويلين العقل".  وفي اللغة تحضر حالة الطموح الشعري، من خلال بث نص شعري مستقل، والتضمين من أدب الشعب المقاوم، بنصوص "ابن عروس" الغضة، وغيرها. وأيضا تثمير تقنية "تراسل الحواس"، بتعبيرات مثل: "نسمة البحر الطرية تغازل عينيك". ودوال الإغتراب المجازية باستثمار عناصر الطبيعة "سخونة أشعة الشمس التي تلسع القلب"، وفي موطن آخر "طرف الحديث لسع أذني"، واستعمال الصور اللونية أيضا في قصة تماثيل، حيث ألوان حية: "عصارة البرسيم الخضراء"، ولون الدم الأحمر، وفي موطن قصصي آخر أشعة الشمس الحمراء، وفي قصة "ثقب صغير باتجاه السماء" نجد "قوس قزح" كمعادل موضوعي للحرية.     

مشاركة :