مع الأيام الأولى من العام الجديد، تتسابق مراكز الأبحاث حول العالم، في طريق البحث عن استشراف ملامح ومعالم التحركات الجيوسياسية حول الكرة الأرضية، وفي المقدمة منها الأوضاع المتعثرة الموروثة من العام السابق، لا سيما الملفات الصدامية المرشحة لأن تضحى حروبا كبرى، إقليمية كانت أو دولية. وعلى الرغم من أن العالم يأمل في أعوام من السلام، الإ أن حقيقة الأوضاع تقود إلى القطع بأن هناك خطوط صدع ونقاط اشتعال، يمكنها أن تجعل من العام الجديد عام فراق لا وفاق، حرب لا سلام. في مقدم المؤسسات والمراكز البحثية التي تتوقف عادة مع تلك القراءات، تجئ مجموعة الأزمات الدولية، والتي تعد صوتا منبها لما يمكن أن تدفع به عجلة الأحداث. تبدو الجبهة الأولى المفتوحة عالميا، والتي يمكنها أن تتحول إلى ساحة صراع عالمي، هي الجبهة الآسيوية الشرقية، وبخاصة عند أوكرانيا، تلك التي تتدحرج فيها كرة النار وتكاد تشتعل لتمسك بتلابيب العالم شرقا وغربا. يخشى العالم من أن تكون القوات الروسية التي وصلت عند لحظة ما على الحدود الروسية والأوكرانية إلى 180 ألف جندي روسي، مزودين بعتاد الحرب، مطلوب توظيفها لما هو أكبر وأخطر من مجرد الأستعراض الذي يهدف إلى الضغط على الأوكرانيين. والسؤال في هذا الملف هل يمكن أن يتحول الإحتكاك في الظلام إلى تصادم في الزحام وتحدث القارعة؟ الملف الثاني الذي يمثل برميل بارود قابل للإشتعال موصول بالصراع القائم والقادم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ذاك الصراع ذو المسحة التقليدية في مسار الصراعات البشرية، والذي شبهه البعض بصراع جرى قبل الميلاد بين اسبرطة القديمة التي تحسبت لصعود أثينا، ما أدى إلى حروب دامت نحو ثلاثين سنة، الأمر الذي يعرف اليوم باسم فخ ثيؤسيديديس. تبدو الأصوات في الداخل الأمريكي اليوم، جمهورية أو ديمقراطية، مجمعة على أن التهديد الأكبر الذي يحلق حول أمريكا هو الصين، ويرى القادة الصينيون أن الرئيس بايدن يسير على نهج سلفه ترامب، ويعتبرون خطاب الولايات المتحدة بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان تفجيرا إيديولوجيا يشكك في شرعية حكومتهم. الصراع الأمريكي – الصيني، مرشح للانفجار من منطلقين اثنين، الأول هو ملف جزيرة تايوان، والآخر خاص ببحر الصين الجنوبي،وقد حمل العام الماضي ملامح ذلك الصراع المتوقع من خلال تصريحات الرئيس بايدن عن الدفاع عن جزيرة تايوان، الأمر الذي لقي رد فعل صدامي من الصين. خطوط الصدع في العام الجديد لا تتمثل في الحروب فقط وإن كانت هذه هي الغالبة، ذلك أن هناك جراحا ثخينة في الجسد الدولي، يمكن أن تترك أثرا غائرا، أمنيا وإنسانيا. خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر الأزمة الأفغانية والتي لا تزال تمثل علامة استفهام مثيرة للشك لا سيما ما ورائيات الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وربما لم يعد السؤال المهم في العام الجديد هو: “لماذا انسحبت أمريكا بقدر ما هو إلى أين تمضي أفغانستان، وهناك فخاخ في الطريق منها وإليها. نقطة الصدع الرئيسية إنسانية، فهناك كارثة تلوح في الأفق تهدد بموت ملايين الأطفال جوعا في البلاد، فقد ردت دول الغرب على سيطرة طالبان بتجميد أصول الدولة الأفغانية في الخارج، ووقف المساعدات المالية مع استمرار العقوبات التي فرضتها على طالبان. قبل أيام قليلة عرضت شبكات التلفزة العالمية صورا لبعض الأسر الأفغانية التي تعرض بعض من أطفالها للبيع، حتى تتمكن من توفير الطعام للباقين، ما يعني أن هناك كارثة إنسانية تجري بها المقادير بالفعل. الفخ الآخر في العام الجديد على الأراضي الأفغانية، والموصول بالأزمات المعيشية من جهة، والتوجهات الإيديولوجية من جهة ثانية، هو ذاك الخاص بإمكانية تحول أفغانستان إلى حاضنة للإرهاب العالمي مرة جديدة، وهو أمر وارد بقوة في ظل هذه الأجواء المضطربة والملتبسة، ومسارات الحياة المغلقة في أوجه الأفغان بشكل عام. ولعل منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط على موعد هذا العام، وربما قريبا خلال الشهر الجاري مع حدث طال انتظاره إن سلما أو حربا، وإن كانت الأنباء المتواترة من فيينا ترشح كفة الخيار السلمي، أي التوصل إلى إتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. والشاهد أن القصة الإيرانية مثيرة للجدل، ويبدو أن الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة لم تتعلم من درس إتفاقية أوباما سيئة السمعة مع إيران في 2015، فقد مكنت فوائض الأموال المليارية التي أغدقت على طهران من أن تزخم برنامجها النووي من جهة، والصاروخي من جهة ثانية، عطفا على دعم غير محدود لوكلاء حربها في المنطقة من اليمن إلى سوريا، ومن العراق إلى لبنان. هل سيتكرر المشهد من جديد ؟ ما يهم إيران حكما هو تسويف الوقت، وما يمكن أن يتوافر لها من جديد من مصادر بعد رفع العقوبات، سيصل بها حتما إلى حيازة ما هو أكثر من سلاح ذري، وبخاصة بعد أن تكون قد تحصلت على خبرة تكنولوجية وعلمية كحال اليابان وألمانيا. هنا لا بد من الإشارة إلى أن إيران وبأسلحتها التقليدية أفقدت المنطقة سلامها، وعليه ترى ماذا يكون حال المنطقة والعالم إذا حازت إيران أسلحة الدمار الشامل. يحتاج الحديث عن أزمات العالم الجديد إلى قراءة أخرى لاحقة للوقوف على أبعاد إشكاليات بعضها مرتبط بحروب أهلية قائمة كما الحال في اليمن وإثيوبيا، والبعض الأخر بقضايا تقليدية تكاد تنفجر من جديد كما الحال مع أوضاع الإرهاب، وبخاصة في ظل محاولات تنظيم داعش إعادة ترتيب صفوفه ومباشرة عملياته من جديد. عطفا على ما تقدم يظل ملف الأزمة المالية التي كثر الحديث عنها، وإشكالية التضخم المالي المتوقع، يمثل هاجسا مخيفا. ويبقى الخطر الكبر والسؤال الأكثر إلحاحا: “ماذا سيكون من شأن الجائحة التي لا تزال تتهدد العالم، والعديد من الأسئلة الأخرى. إلى لقاء قادم بإذن الله.
مشاركة :