تدور أحداث رواية الكولومبي الأشهر ماركيز حول بداية ونهاية حب بين شخصين فقط، رجل وامرأة تفرقهما الأقدار ثم يلتقيان في أواخر العمر أثناء وباء الكوليرا والناس في حالة تباعد. الحب في زمن الكوليرا الروائية ليس كالاحتفال في زمن الكورونا الحقيقية. تلك علاقة فردية بين شخصين، وهذه علاقة التصاقية تنفسية بين جماهير غفيرة تغني وترقص وتصرخ وتتنفس وتجمع أكبر حصيلة فيروسية لتعود بها إلى أولئك القابعين في بيوتهم ومكاتبهم وحوانيتهم، إلى أولئك الذين اعتزلوا الحب والاحتفالات في زمن الكورونا. بهذه المقدمة الرومانسية أحاول تلطيف موضوع جاف لا علاقة له بالحب ولا الرقص ولا الغناء سوى فيما يخص أزمنة الأوبئة وما يترتب عليها من تنظيمات واحتياطات وعقوبات قانونية. دوافع المقال مهنية تثقيفية موجهة بالأساس إلى الذين قد تراودهم أنفسهم عن المشاركة في التجمعات الاحتفالية في أزمنة الجوائح الوبائية. يفرض الوضع الصحي في أي دولة تطبيق لوائح عمل وتنظيمات صحية واجتماعية وأمنية في الشارع والمتجر والمؤسسات التعليمية ومناسبات الأفراح واللقاءات الاجتماعية. تستحدث بناء على ذلك لوائح عقوبات على المخالفين، حفظا لصحة البلاد والعباد واستمرار الكفاءة الإنتاجية والأمنية. بالطبع لن يكون معقولًا ولا ضروريًا تقييد كافة أنواع الترويح عن النفس واللقاءات الاجتماعية حتى في أحلك الظروف، بل ويجب أن تستمر بشروط المكان والزمان والأعداد حسب ما تفرضه المتطلبات المرحلية. لن يستطيع شعب ولا مواطن تحمل الضغط النفسي الواقع عليه من انتشار جائحة صحية أو حالة طوارئ أمنية ويكون معها إلغاء كل أنواع الفرح والترويح عن النفس في الفضاءات الآمنة ومن النوعيات المدروسة بعناية لتناسب الأكثرية (وليس بالضرورة الأغلبية) فلا تكون مفصلة على مقاسات فئات عمرية ما زال عمقها الإدراكي للاشتراطات الصحية والذوق العام لم ينضج بعد ومفتونة بحب المغامرة والتسليات العاجزة عن استيعاب المسؤوليات الجوهرية. في الغرب الأوروبي والأمريكي حيث تختلط مفاهيم الحريات الشخصية بالغرائز والمتاجرات الحزبية واللوبيات الفئوية، هناك يشاهد العالم كله انفجارا كارثيا لجائحة كورونا تقف السلطات عاجزة عن التعامل مع نتائجها الصحية والاقتصادية والأمنية. لا في هذه الظروف العالمية الحرجة ولا في غيرها يصلح الغرب كنموذج يحتذى لحسن التصرف والحوكمة العقلانية مع متطلبات الجائحة الكاسحة. أكتب هنا كطبيب يستوعب واجبات مهنته تجاه الحياة والمجتمع والوطن وأمامي إحصائيات انتشار الفيروس المحلية تقول إنها تقترب من أربعة آلاف حالة يوميا في تصاعد تضاعفي متواتر، وكانت قبل أسابيع قليلة دون الخمسين حالة في اليوم في عموم الوطن. لابد من التفكير بعمق في حقيقة أن ثلث هذه الحالات اليومية الجديدة تقريبًا كانت في العاصمة الرياض والثلثان الباقيان في بقية جغرافيا المملكة العربية السعودية القارية. نعم العاصمة الرياض هي الأكبر مساحة والأكثر سكانا والأنشط حركة، ولكن ذلك لا يكفي لتكون حصة مدينة واحدة ثلث أعداد الحالات اليومية الجديدة، علاوة على أن هذه الحقائق الديموغرافية تفرض احتياطات أكثر فعالية. يوجد سبب منطقي له علاقة ليست متخيلة بالمهرجانات والتجمعات الاحتفالية، بحضورها الكثيف وضيوفها العالميين وبأعداد الشباب الكبيرة من الجنسين، مما يجعل التطبيق للاشتراطات الوقائية في زمن الجوائح مستحيلًا لا تكفيه وسائل سد الذرائع الاتكالية. أعرف أن تطبيق ملاحظاتي هذه من صميم مسؤوليات السلطات الصحية الرسمية، ولكن للوطن واجب عين على الأفراد من أصحاب المهن الصحية ليس كفرض الكفاية الذي يسقط عن الممارس الصحي الفرد في القطاع الخاص لتقوم به المؤسسات الرسمية فقط، وأسأل الله السلامة للجميع.
مشاركة :