من الأمثلة المتوارثة المشهورة قولهم (كل فتاة بأبيها معجبة) تساءلت في نفسي بعد أن أطلت التفكير في حالنا اليوم، ترى .. هل فعلاً ما زالت هذه المقولة تحتفظ بمصداقيتها حتى هذا التاريخ أم أنها فقدت ولو شيئاً من ذلك البريق الذي احتفظت به طوال سنوات جيل الطيبين، خاصة في ظل الانفتاح العالمي المتسارع والغريب الذي جعل الفتاة في أي بقعة من هذه الأرض تتابع وتتعرف وتعرف حياة رجال كثر غير أبيها، بل ربما عايشت عن كثب حياة مشاهير منعمين ولو سنابياً، عرفت بالتفاصيل الكاملة والدقيقة والشاملة، كيف هم يحيون، يأكلون، يسافرون، يسكنون، ينامون، يعاملون البنت، يبتسمون للمعجبين والمعجبات حين يقابلونهم صدفة في الطرقات... عندي اعتقاد أن شريحة من بناتنا اليوم زهدن بآبائهن بعد أن صدقت الواحدة منهن ما رأته وسمعت عنه، معتقدة أن هذه هي الحياة الحقيقية التي يجب على الأب أن يعيشها بنته، حالها حال غيرها ممن تراهن وتقرأ عنهن في مواقع التواصل الاجتماعي. لقد ضرب بعض السنابيين رجالاً ونساءً من خلال ما ينشرون ويصورون ويعلنون ويسوقون ويسافرون ويشترون ويلعبون ويركبون و... الأسر السعودية - خاصة متوسطة الدخل فضلاً عن محدودته بمقتل- وساهموا في تفككها، وأدخلوا الحزن والهم والغم على ولي الأمر العاجز عن أن يكون ذلك الأب المنتظر من قبل بناته ليظل الإعجاب به قائماً كما هو الحال زمن الطيبين الذي كانت الفتاة لا ترى ولا تعرف أباً غير أبيها. ليس هذا فحسب بل جزماً أن هؤلاء المشاهير ساهموا بطريق مباشر أو غير مباشر في إيقاد جذوة الصراع داخل البيوت وربما وصل الحال للطلاق، كل هذا يحدث لأن المقارنة تنعقد في اعتقاد المقارن بنتاً كان أو ولدًا أنهما -أي الأب الحقيقي وهذا السنابي المدلل- يقفان على نفس الأرضية ولديهما الظروف ذاتها، وهذا تصور وأعتقد غير صحيح. قد يقول قائل: ولماذا تنعقد المقارنة أصلاً؟ وغاب عنه أن هذه ثقافة متجذرة فينا نحن المجتمع السعودي والشواهد والأدلة عليها أكثر من أن تحصى، علاوة على أنه سلوك إنساني فطري مغروس في الجبلة البشرية ولا يمكن التخلص منه بسهولة ويسر، فالانتصار على النفس وكبح جماحها وضبط نزواتها وترويضها يحتاج إلى قوة وإرادة تتولدان حين يكون التثقيف المستمر والتوعية الدائمة والإرشاد النوعي الواعي حينئذ يتخلص المجتمع ككل من أمراض عدة سرها الخفي وسببها الحقيقي المحاكاة والتقليد التي ساهم العالم الافتراضي اليوم في توسيع دائرتها وتعميق آثارها المدمرة، وفِي مثل هذه الأيام التي نتمتع فيها بإجازة نصف العام يكون السفر والترحال غالباً فتبرز وتظهر هذه الإشكالية المجتمعية المؤلمة أكثر من أي وقت آخر ولذا كان هذا المقال لعل الفتاة تعود لسابق عهدها ويكون منها الإعجاب وقبول الاعتذار من الأب حين يعجز عن مماثلة هؤلاء المشاهير، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :