كان الشعر العربي يلتزم بالوزن والقافية في مجمل أنماطه، حتى دخلت فيه بعض المحاولات المعاصرة خالية من البحر والقافية، إلا أنها محاولات، لا يمكن أن تحسب على الشعر في شيء، لكونها سقطت في مجال النثر، لأن أبرز ما يفرق بين الشعر والنثر هو الوزن. وللشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية والفلكورية والسياسية، وهو يتطور حسب تطور الشعوب العربية، برزت في الشعر العربي فنون متطورة من حيث الشكل والمضمون، من حيث اللغة والأسلوب، ومن حيث القوافي. ظهرت في عالم الشعر العربي مدارس تجديدية كثيرة وصلت في بعض الأحيان إلى درجة كبيرة من التطرف، إذ رفض اصحابها كل قيود الشعر العربي من وزن وقافية وجاءوا بكلام أسموه «الشعر المنثور». تصدى له بشدة أنصارالعربية الفصحى خوفا على تراثها. لقد نشر أمين الريحاني وجبران خليل جبران ومن أدباء المهجر وشعرائها ما سموه القصيدة النثرية أو النثر الشعري، قد قام أمين الريحاني بتعريف شعر التفعيلة بقوله: إنّه الشعر الذي تحرّر من الوزن والقافية. ونشر محمد حسن عواد قصيدة خرجت عن الضوابط الشعرية المعروفة، برزت الشاعرة العراقية نازك الملائكة في عالم الشعر ونشرت قصيدة «الكوليرا» التي عدها أول عمل رائد في مجال الشعر الحر، ونافسها على هذا السبق بدر شاكر السياب وآخرون، وتعد نازك الملائكة استاذة أهل هذا الفن- الشعر الحر الذي يدعو إلى التخلص من الأشكال الشعرية الموروثة وبناء أشكال جديدة يقوم فيها البيت الشعري على أساس من وحدة التفعيلة. ومن ألوان التجديد التي تبدو مقبولة في الشعر العربي شعر التفعيلة، وهو الشعر يقوم على وحدة الشعر العربي الأساسية، إلا أنه لا يلتزم بقيود البحر الواحد أو القافية الواحدة، وهو أحد أشكال الشعر العربي الذي تميز بتحوّله من فكرة وحدة البيت إلى وحدة القصيدة، بالإضافة إلى عدم الانتظام باستعمال القافية، كما دأب الشعر الحر على إيجاد تناسق وتوحيد بين الشكل والمضمون وتعددية التفعيلات في الأبيات الشعرية ضمن القصيدة الواحدة. جاءت عاصفة جائحة كورونا ودفعت الناس إلى البقاء في المنزل ودفعت الشعراء إلى العزلة، لقد حاول الشاعر على وصف العزلة واعتبرها حاجة ضرورية لكي ينجز العمل الإبداعي، يقول الدوس هكسلي الروائي الإنجليزي وكاتب سيناريوهات الأفلام الناجحة، «كلما كان العقل قويا، كلما كان أكثر ميلا إلى العزلة»، فالعزلة هواء نشيط بالنسبة للشاعر يخلص أغصانه من كثير من الأوراق اليابسة التي لا تصلح لربيع الكتابة وتمنحه بهجة الكلام. في أحيان كثيرة يصغي الإنسان إلى روحه في العزلة، كما يقول محمود درويش في قصية له» ماذا لو كنت وحدي» العزلة هي اختيار المترف بالممكنات- هي اختيار الحرية»، فكثيرا ما يهرب الإنسان إلى العزلة لكي يبحث عن السعادة، لا يجدها مع الآخرين. فالشاعر ليس عالميا إحيائيا أن يتصدى للفيروسات، وليس عنده سوى كلمات وأفكار وأحكام يحاول بها أن يزرع العافية والمحبة والأمل في قلوب الناس. يجد الشاعر في العزلة القدرة البارعة على اقتناص اللحظة الإبداعية، وسرد حياة الناس وتحولاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وآمالهم وأحلامهم، وآلامهم وشجونهم، وحين تغلغل هذا الغامض الغطريس بين قارات العالم المترامية وراحت شعوبها تنازله بالعزلة،تعامل الشاعر معه كلهم إنساني وكتب عن سيرته الموشومة بالوجع والمخاوف والفراق يضعه نصوص يطل خلالها من نافذة العالم. ** ** الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية ،كولكاتا - الهند merajjnu@gmail.com
مشاركة :