(إنني قريبٌ من الموتِ والقبرِ، وما هو إلا حقيقة ماثلةٌ أمامي) جون سينج – كاتب إيرلندي (برفقٍ احملوا نعشي، وسيروا بي في طرقِ المدينةِ الآسرة بالأحلام، دللوني وأنا فوق أكتافكم لأرى الشوارع للمرة الأخيرة). فريد رمضان - كاتب بحريني في عام 1909 كان الكاتبُ الإيرلندي جون سينغ يسيرُ بخطواتٍ بطيئةٍ، ووجهٍ غائرٍ بعد خروجه من المستشفى، وكان يحدّث صديقه (بادرياك كولم)، وهما يسيرانِ معًا نحو محطة القطارِ ليسافر للتعافي من آثارِ عمليةٍ جراحية صعبة أجراها، يقول صديقه: «لقد كان يتحدث بهدوء، لكنه يتكلم بعمق وتأثر عن مسرحيته (ديدري فتاة الأحزان)، وقد قال لي إنه أنجز الفصل الثالث من المسرحية، وقد أخذ يحدثني عن ذلك الفصل الذي يبدأ المشهدَ فيه على قبرٍ مفتوحٍ، فأعربتُ عن شكّي في مدى التأثير الذي سيحدثه هذا المنظر على المتفرجِ، فقال لي: أنا قريبٌ من الموت والقبر، وما هو إلا حقيقة ماثلة أمامي». لم يعدْ سينغ من سفره، لكن مسرحيته (ديدري فتاة الأحزان) عادتْ وحيدةً، ونُشرتْ بعدَ عامٍ، وتحولتْ إلى أثرٍ أدبي خالد. تشكلُ حقيقةُ الموتِ حضورًا كبيرًا في النصوصٍ السرديةِ لدى الكثيرِ من الكتّابِ، فالموتُ هو الوجهُ الآخر لحقيقةِ الوجودِ، وهو السؤالُ الذي طالما شغلَ الفلاسفة، والمفكرين، وكتاب القصة والرواية، وقيل عن هذه الكلمةِ التي تتكون من ثلاثة أحرفٍ الكثير، لكنني لم أجدْ أبلغُ من قولِ الإمام علي (ع): «كفى بالموتِ لابن آدم واعظاً». وبالمقارنةِ بين كاتبين من قرنين مختلفين (سينج، وفريد) يمكننا أنْ نستنتج كيفَ يتحوّلُ المرضُ والألمَ والموتَ إلى هاجسٍ حاضرٍ في النصِّ السردي، ويمكننا أن نرصدَ كيف يتحولُ هذا الهاجسِ إلى مفجرٍ للإبداعِ النصي... وبإضافةِ عنصر العمر القصيرِ نسبيًا فإننا نجدُ وجهَ شبهٍ يحملنا على عقدِ مقارنةٍ لتحولِ حقيقة الموتِ إلى هاجسِ يسكنُ النصوص السردية لهذين الكاتبين. بينما ولد الكاتب المسرحي الإيرلندي جون ملنجتون سينج في 1871 ورحلَ عن العالم في 1909 أي بعمر أربعين عامًا، فإن الكاتب فريد رمضان ولد بعام 1961 وغادرها في 2020 أي قبل أن يتم ستين عامًا، وفيما كتب سينغ مسرحياته الستّ الشهيرة التي تحولت إلى نصوص من الأدب العالمي في آخر سبع سنين من حياته القصيرة، فقد كتب مسرحية (ظلال الوادي عام 1903)، و(الراكبون إلى البحر 1904)، و(بئر القديسين 1904)، و(فتي العالم الغربي المدلل 1905)، وزفاف السمكري 1907)، ومؤخرًا (ديدري فتاة الأحزان 1910) التي طبعت بعد وفاته بعام واحد. أما فريد رمضان فنشر أعماله المتنوعة في زهاء 34 عامًا، فقد نشر (البياض- مجموعة قصصية 1984)، و(تلك الصغيرة التي تشبهك - نص 1991)، و(التنور- رواية 1994)، و(نوران- نص مشترك مع الفنان جمال عبدالرحيم 1995)، و(البرزخ – رواية 2000)، و(السوافح – رواية 2006)، و(عطر أخير للعائلة 2008)، و(رنين الموج – نص مشترك مع الفنان عمر الراشد 2012)، و(المحيط الإنجليزي 2018)، وكما نلاحظ فإن سينج ورمضان تشابها حتى في عدد الأعمال (سينج أصدر 6 مسرحيات، ورمضان 7 أعمال بينها 4 روايات ومجموعة قصصية ونصان)، هذا إذا استثنينا النصين المشتركين، وهما (نوران، ورنين الموج). { كاتب بحريني
مشاركة :