هاجسُ الموتِ في النصوصِ السردية بين جون سينج وفـريد رمضان (١-٣)

  • 1/16/2022
  • 09:24
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

‭(‬إنني‭ ‬قريبٌ‭ ‬من‭ ‬الموتِ‭ ‬والقبرِ،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬حقيقة‭ ‬ماثلةٌ‭ ‬أمامي‭)‬ جون‭ ‬سينج‭ ‬–‭ ‬كاتب‭ ‬إيرلندي ‭(‬برفقٍ‭ ‬احملوا‭ ‬نعشي،‭ ‬وسيروا‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬طرقِ‭ ‬المدينةِ‭ ‬الآسرة‭ ‬بالأحلام،‭ ‬دللوني‭ ‬وأنا‭ ‬فوق‭ ‬أكتافكم‭ ‬لأرى‭ ‬الشوارع‭ ‬للمرة‭ ‬الأخيرة‭).‬ فريد‭ ‬رمضان‭ - ‬كاتب‭ ‬بحريني في‭ ‬عام‭ ‬1909‭ ‬كان‭ ‬الكاتبُ‭ ‬الإيرلندي‭ ‬جون‭ ‬سينغ‭ ‬يسيرُ‭ ‬بخطواتٍ‭ ‬بطيئةٍ،‭ ‬ووجهٍ‭ ‬غائرٍ‭ ‬بعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬المستشفى،‭ ‬وكان‭ ‬يحدّث‭ ‬صديقه‭ (‬بادرياك‭ ‬كولم‭)‬،‭ ‬وهما‭ ‬يسيرانِ‭ ‬معًا‭ ‬نحو‭ ‬محطة‭ ‬القطارِ‭ ‬ليسافر‭ ‬للتعافي‭ ‬من‭ ‬آثارِ‭ ‬عمليةٍ‭ ‬جراحية‭ ‬صعبة‭ ‬أجراها،‭ ‬يقول‭ ‬صديقه‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬بهدوء،‭ ‬لكنه‭ ‬يتكلم‭ ‬بعمق‭ ‬وتأثر‭ ‬عن‭ ‬مسرحيته‭ (‬ديدري‭ ‬فتاة‭ ‬الأحزان‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬أنجز‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬المسرحية،‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬يحدثني‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الفصل‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬المشهدَ‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬قبرٍ‭ ‬مفتوحٍ،‭ ‬فأعربتُ‭ ‬عن‭ ‬شكّي‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬سيحدثه‭ ‬هذا‭ ‬المنظر‭ ‬على‭ ‬المتفرجِ،‭ ‬فقال‭ ‬لي‭: ‬أنا‭ ‬قريبٌ‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬والقبر،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬حقيقة‭ ‬ماثلة‭ ‬أمامي‮»‬‭.‬ لم‭ ‬يعدْ‭ ‬سينغ‭ ‬من‭ ‬سفره،‭ ‬لكن‭ ‬مسرحيته‭ (‬ديدري‭ ‬فتاة‭ ‬الأحزان‭) ‬عادتْ‭ ‬وحيدةً،‭ ‬ونُشرتْ‭ ‬بعدَ‭ ‬عامٍ،‭ ‬وتحولتْ‭ ‬إلى‭ ‬أثرٍ‭ ‬أدبي‭ ‬خالد‭.‬ تشكلُ‭ ‬حقيقةُ‭ ‬الموتِ‭ ‬حضورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬النصوصٍ‭ ‬السرديةِ‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرِ‭ ‬من‭ ‬الكتّابِ،‭ ‬فالموتُ‭ ‬هو‭ ‬الوجهُ‭ ‬الآخر‭ ‬لحقيقةِ‭ ‬الوجودِ،‭ ‬وهو‭ ‬السؤالُ‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬شغلَ‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬والمفكرين،‭ ‬وكتاب‭ ‬القصة‭ ‬والرواية،‭ ‬وقيل‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الكلمةِ‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أحرفٍ‭ ‬الكثير،‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أجدْ‭ ‬أبلغُ‭ ‬من‭ ‬قولِ‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭): ‬‮«‬كفى‭ ‬بالموتِ‭ ‬لابن‭ ‬آدم‭ ‬واعظاً‮»‬‭.‬ وبالمقارنةِ‭ ‬بين‭ ‬كاتبين‭ ‬من‭ ‬قرنين‭ ‬مختلفين‭ (‬سينج،‭ ‬وفريد‭) ‬يمكننا‭ ‬أنْ‭ ‬نستنتج‭ ‬كيفَ‭ ‬يتحوّلُ‭ ‬المرضُ‭ ‬والألمَ‭ ‬والموتَ‭ ‬إلى‭ ‬هاجسٍ‭ ‬حاضرٍ‭ ‬في‭ ‬النصِّ‭ ‬السردي،‭ ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نرصدَ‭ ‬كيف‭ ‬يتحولُ‭ ‬هذا‭ ‬الهاجسِ‭ ‬إلى‭ ‬مفجرٍ‭ ‬للإبداعِ‭ ‬النصي‭...‬ وبإضافةِ‭ ‬عنصر‭ ‬العمر‭ ‬القصيرِ‭ ‬نسبيًا‭ ‬فإننا‭ ‬نجدُ‭ ‬وجهَ‭ ‬شبهٍ‭ ‬يحملنا‭ ‬على‭ ‬عقدِ‭ ‬مقارنةٍ‭ ‬لتحولِ‭ ‬حقيقة‭ ‬الموتِ‭ ‬إلى‭ ‬هاجسِ‭ ‬يسكنُ‭ ‬النصوص‭ ‬السردية‭ ‬لهذين‭ ‬الكاتبين‭.‬ بينما‭ ‬ولد‭ ‬الكاتب‭ ‬المسرحي‭ ‬الإيرلندي‭ ‬جون‭ ‬ملنجتون‭ ‬سينج‭ ‬في‭ ‬1871‭ ‬ورحلَ‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬1909‭ ‬أي‭ ‬بعمر‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا،‭ ‬فإن‭ ‬الكاتب‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‭ ‬ولد‭ ‬بعام‭ ‬1961‭ ‬وغادرها‭ ‬في‭ ‬2020‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ستين‭ ‬عامًا،‭ ‬وفيما‭ ‬كتب‭ ‬سينغ‭ ‬مسرحياته‭ ‬الستّ‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬سبع‭ ‬سنين‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬القصيرة،‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬مسرحية‭ (‬ظلال‭ ‬الوادي‭ ‬عام‭ ‬1903‭)‬،‭ ‬و‭(‬الراكبون‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬1904‭)‬،‭ ‬و‭(‬بئر‭ ‬القديسين‭ ‬1904‭)‬،‭ ‬و‭(‬فتي‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬المدلل‭ ‬1905‭)‬،‭ ‬وزفاف‭ ‬السمكري‭ ‬1907‭)‬،‭ ‬ومؤخرًا‭ (‬ديدري‭ ‬فتاة‭ ‬الأحزان‭ ‬1910‭) ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬بعام‭ ‬واحد‭.‬ أما‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‭ ‬فنشر‭ ‬أعماله‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬زهاء‭ ‬34‭ ‬عامًا،‭ ‬فقد‭ ‬نشر‭ (‬البياض‭- ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬1984‭)‬،‭ ‬و‭(‬تلك‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تشبهك‭ - ‬نص‭ ‬1991‭)‬،‭ ‬و‭(‬التنور‭- ‬رواية‭ ‬1994‭)‬،‭ ‬و‭(‬نوران‭- ‬نص‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬جمال‭ ‬عبدالرحيم‭ ‬1995‭)‬،‭ ‬و‭(‬البرزخ‭ ‬–‭ ‬رواية‭ ‬2000‭)‬،‭ ‬و‭(‬السوافح‭ ‬–‭ ‬رواية‭ ‬2006‭)‬،‭ ‬و‭(‬عطر‭ ‬أخير‭ ‬للعائلة‭ ‬2008‭)‬،‭ ‬و‭(‬رنين‭ ‬الموج‭ ‬–‭ ‬نص‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬عمر‭ ‬الراشد‭ ‬2012‭)‬،‭ ‬و‭(‬المحيط‭ ‬الإنجليزي‭ ‬2018‭)‬،‭ ‬وكما‭ ‬نلاحظ‭ ‬فإن‭ ‬سينج‭ ‬ورمضان‭ ‬تشابها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الأعمال‭ (‬سينج‭ ‬أصدر‭ ‬6‭ ‬مسرحيات،‭ ‬ورمضان‭ ‬7‭ ‬أعمال‭ ‬بينها‭ ‬4‭ ‬روايات‭ ‬ومجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬ونصان‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬استثنينا‭ ‬النصين‭ ‬المشتركين،‭ ‬وهما‭ (‬نوران،‭ ‬ورنين‭ ‬الموج‭).‬   { كاتب‭ ‬بحريني

مشاركة :